يتوقف المطر حتى يذهب هذا الرجل ويسد ثعلب مربده بردائه، "ثعلب المربد": الشق الذي يدخل معه المطر، فذهب فسد ثعلب المربد بردائه، فما إن سده حتى توقف المطر هذا من بركات النبي- عليه الصلاة والسلام-.
ومن آيات الله إذن الاستسقاء باب السقيا وهو على أوجه منها أن يدعو الناس أفرادًا، ومنها: أن يدعى في خطبة الجمعة، ومنها: أن يدعى في أي مكان مما يسأل فيه الإنسان أن يستسقي، ومنها- وهو الرابع- الصلاة وهو أن يخرج إلى المصلى ويستسقي للناس.
[صفة صلاة الاستسقاء والخطبة لها]
٤٨٦ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:"خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا، متبذلًا، متخشعًا، مترسلًا، متضرعًا، فصلى ركعتين، كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبتكم هذه". رواه الخمسة، وصححه الترمذي، وأبو عوانة، وابن حبان.
"خرج النبي صلى الله عليه وسلم متواضعًا" يعني: في ضعة، ما معه جمهور يمشون بين يديه، ولا عن خلفه، ولا عن يمينه، ولا عن شماله، ولا لبس اللأمة ولا حمل السيف، إنما خرج متواضعًا- عليه الصلاة والسلام-، وهل خرج متجملًا بثيابه؟ لا، ولهذا قال:"متبذلًا" يعني: ليس عليه إلا لباسًا عاديًّا؛ لأن هذا ليس يوم فرح كيوم العيد حتى يخرج متجملًا، إنما هو يوم تضرع واستكانة وطلب وحاجة وفقر، فخرج- عليه الصلاة والسلام- متبذلًا، "متخشعًا" يعني: ظاهرًا عليه الخشوع على هيئته وحركته ومشيته وعلى قلبه من باب أولى، إذا خشع القلب خشعت الجوارح، "مترسلًا" يعني: في مشيه لا يسرع، وهذا ترسل أكثر مما كان يعتاد- عليه الصلاة والسلام-، "متضرعًا" إلى من؟ إلى الله عز وجل، يعني: مظهرًا للحاجة والفاقة والفقر لله- سبحانه وتعالى-، وهذا الأخير لا يعلم إلا بإخبار الرسول- عليه الصلاة والسلام- لأن محله القلب، فالظاهر: أن ابن عباس رضي الله عنهما علم هذا من إخبار الرسول- عليه الصلاة والسلام- له.
"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد لم يخطب خطبتكم هذه"، قوله:"فصلى ركعتين كما يصلي في العيد" يعني: يكون فيهما تكبير زائد؛ لأنه لم يقل: ركعتين وسكت، بل قال:"ركعتين كما يصلي""الكاف" للتشبيه، و"ما" مصدرية، و"يصلي" فعل مضارع، والمضارع منسبك بـ "ما" المصدرية فيؤول مصدرًا والتقدير: كصلاته في العيد، وقوله:"لم يخطب خطبتكم هذه" يشير إلى خطبة لا نعلمها في الحقيقة ولا فسرها الشراح، وكأنهم بعد عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام-