للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مسألة إرضاع الكبير وأحكامها]

١٠٨٥ - وعنها رضي الله عنه قالت: "جاءت سهلة بنت سهيل. فقالت: يا رسول الله، إنَّ سالمًا مولى أبي حذيفة معنا في بيتنا، وقد بلغ ما يبلغ الرِّجال. فقال: أرضعيه، تحرمي عليه". رواه مسلم.

قولها رضي الله عنها: "سهلة بنت سهيل" هي زوجة أبي حذيفة بن اليمان، وكان له مولى يقال له:

سالم تبناه، أي: وجعله أبنا له، وكانوا في الجاهلية يتبنى الواحد منهم من ليس له أحد من الموالي، بأن يتخذه ابنًا له كابنه من النسب، فنسخ الله عز وجل ذلك بقوله: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم}، وقال: {ادعوهم لأباءهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا أباءهم فإخوانكم في الدين وموليكم} [الأحزاب: ٥]. فلا يجوز في الإسلام أن يتبنى أحد أحدا من الناس، وكانوا قال جعلوا هذا الرجل بمنزلة الابن يدخل عليهم ويخرج ويقضي حوائجهم، فلما تبين في الشرع أن الرضاعة لا تكون إلا بزمن معين جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "إنه معنا في بيتنا وقد بلغ ما يبلغ الرجال"، فكأنها تقول: ما الحل لهذه المشكلة؟ فقال: "أرضعيه تحرمي عليه"، أي: تحرمي عليه نكاحا فتكوني من محارمه، وفي قوله: "تحرمي عليه" من حيث الاعراب نقول: إنه حذفت النون؛ لأنها مجزومة على أنها جواب الأمر في قوله: "أرضعيه".

ففي هذا الحديث: دليل على أن الرضاع محرم حتى الكبار؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرضعيه تحرمي عليه"، وقد أخذ بذلك الظاهرية وقالوا: إن الرضاع محرم بلا عدد ولا زمن لإطلاقه في الآية: {وأمهاتكم الاتي أرضعنكم}، ولحديث سالم مولى أبي حذيفة، وكانت عائشة إذا أرادت من أحد أن يدخل عليها تأمر أختها أسماء بنت أبي بكر أن ترضعه من أجل أن تكون عائشة خالة له فلا يجب عليها الحجاب عنه ولكن جمهور العلماء ومنهم أمهات المؤمنين سوى عائشة يقولون: إن هذا خاصٌّ بسالم مولى أبي حذيفة، ومنهم من يرى أنه منسوخ، ولكن تعلمون أن هاتين الدعويين تحتاجان إلى دليل، أما الخصوصية فالأصل تساوي الناس في الأحكام الشرعية ولا تقبل دعوى الخصوصية إلا بدليل فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم- وهو النبي- لا يقبل دعوى الخصوصية فيه في أي حكم من الأحكام إلا بدليل فما بالك بمن سواه؟ ! والنسخ كذلك يحتاج إلى دليل، لأنه لا بد أن نعلم أن هذا الحديث الناسخ متأخر، ومن يقول: إن قوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>