وفسروا ذلك بأن العباس قد قدم زكاة سنتين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: وهي علي ومثلها"، كأنه قال: فهي عندي ومثلها، ولكنه سبق لنا أن القول الراجح في هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ضمن زكاته لكنه ضاعفها؛ لأن الرجل من قرابة النبي صلى الله عليه وسلم فضاعف عليه الغرام، وهو نظير قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه حين ينهى الناس عن الشيء يجمع أهل بيته، ويقول: إني نهيت الناس عن كذا وكذا فلا أرى أحدًا منكم فعله إلا ضاعفت عليه العقوبة لماذا؟ لأن قريب السلطان قد يتجرأ على المعصية لقربه من السلطان يستخدم قربه من السلطان لإقدامه على المعصية فيضاعف عليه الغرام، المشهور من المذهب أنه لا يجوز أن تقدم أكثر من سنتين، وما دامت المسألة فيها اشتباه فالأولى ألا تقدم أكثر من سنتين؛ لأن الأصل أن الزكاة لا تجب إلا إذا حل وقتها، فتقديمها عليه رخصة، ولم يرد أن العباس عجل أكثر من سنتين فيقتصر فيه على ما ورد.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين، لو قال قائل: هل يمكن أن يؤخذ من هذا الحديث أن العباس لم يعجل إلا صدقة واحدة عن عام واحد؟ قد يقول قائل: إننا لا نسلم أن في الحديث دليلًا على أنه لا يجوز أن تقدم أكثر من سنة؛ لأن الكلام واضح صدقته قبل أن تحل وإن كان الاحتمال الأول قائمًا؛ لأن الصدقة مفرد، وإذا أضيف المفرد كان للعموم، على كل حال أهل العلم نصوا على أنه لا يجوز تعجيل الزكاة إلا لسنتين فأقل.
وقد يؤخذ من الحديث: فضل العباس؛ لأن الظاهر أن العباس ما طلب هذا إلا لمصلحة يراها كرجل طلب معونة للزواج في هذه السنة وهو محتاج وزكاتنا هذا العام فقط لا تكفيه فتقدم زكاة العام القادم، فهذا فيه مصلحة للمعطي فلا حرج وهذا قد يكون أفضل، وهل يدخل في ذلك جواز تقديم زكاة الدين قبل قبضه؟ رجل له دين على شخص وقال: أنا أريد أن أحصي مالي عينه ودينه وأخرج زكاته الآن فهذا يجوز؛ لأن تأخير إخراج زكاة الدين من باب الرفق بالمكلف، وإلا فالأصل أن زكاته واجبة بتمام الحول، نوضح أكثر بمثال: رجل بيده الآن (١٠٠٠٠) تم حولها، وله في ذمة زيد (١٠٠٠٠) تم حولها، أما العشرة التي بيده فزكاتها واجبة ولا إشكال فيها، والعشر التي في ذمة زيد هل يجب عليه إخراج زكاتها لا يجب، لأنه لم يقبضها فملكه عليها غير تام، لكن لو أخرجها مع زكاة العشرة التي في يده كان ذلك جائزا لا حرج فيه.
[زكاة الحبوب والثمار]
٥٨٣ - وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقًة، وليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقًة، وليس فيما دون خمسة أو سق من التمر صدقة". رواه مسلم.