عدد أيام الدهر، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يحصل له ذلك.
يستفاد من هذا الحديث: كراهة صوم الدهر، وقال بعض العلماء: بل يستفاد منه: تحريم صوم الدهر؛ لأنه إذا انتفت شرعيته فيكون بدعة غير مشروع، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم منع القوم الذين قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال:"من رغب عن سنتي فليس مني"، ولأنه منع عبد الله بن عمرو بن العاص أن يصوم الدهر، وآخر مرتبة له أن يصوم يومًا ويفطر يومًا، ولأنه إذا صام الدهر كله فإنه لا يخلو- غالبًا- من التقصير في الواجبات الأخر، والدين الإسلامي متكامل يجعل للنفس حظها، وللأهل حظهم، وللزائرين حظهم، وللناس عامة حظهم، وللبدن أيضًا أعمال أخرى بدنية، يجعل لها حظها، ومعلوم أن الصيام يعوق الإنسان عن مسائل كثيرة بدنية يحتاج الإنسان إلى أن يقوم بها لا سيما في أيام الصيف الطويلة الحارة، فالأقرب عندي أن صوم الدهر منهي عنه على سبيل التحريم لهذه الأدلة السمعية والنظرية التي تمنع من أن يصوم الإنسان على سبيل التأييد.
* * *
[٢ - باب الاعتكاف وقيام رمضان]
قوله:"باب الاعتكاف" هو مناسب لأن يأتي بعد الصيام، وأما القيام فالمناسبة فيه واضحة، فإن الصيام أوجب ما فيه صيام رمضان والقيام قيام رمضان، لكن الصيام فريضة والقيام مندوب، ولقيام رمضان مناسبة أخرى وهي صلاة التطوع، فإن الفقهاء- رحمهم الله- ذكروا التراويح وقيام رمضان هنا، وذكروا هنا قيام ليلة القدر، على كل حال: هذه المسألة فنية كما يقولون ولا تهم.
[مفهوم الاعتكاف وحكمه]
أما الاعتكاف في اللغة فهو: لزوم الشيء، ومن قوله تعالى:{يعكفون على أصنام لَّهم}[الأعراف: ١٣٨]. يعني: يديمون ملازمتها ويبقون عندها، {ما هذه التَّماثيل الَّتي أنتم لها عاكفون}[الأنبياء: ٥٢].} وانظر إلى إلهك الَّذي ظلت عليه عاكفًا {[طه: ٩٧]. أي: ملازمًا ثابتًا.
أما في الشرع فهو: لزوم التعبد لله بلزوم المسجد للتخلي لطاعة الله عز وجل، إذن الغرض منه أن ينقطع الإنسان عن الدنيا ولذاتها وزهرتها، ويتخلى في هذا المسجد لطاعة الله عز وجل، فهو عبارة عن رياضة نفسية بمعنى: أن يروض الإنسان نفسه فيه عليها.