فقوله:"مال إلي إحداهما" أي: ميلاً يلام عليه، جاء يوم المحشر- محشر الناس- وهو مائل الشق، سيصنع به ذلك عند القيامة.
ففي هذا الحديث من الفوائد: التحذير من الميل إلي إحدى النساء؛ لقوله:"فمال إلي إحداهما".
ومن فوائده: وجوب العدل بين الزوجتين فأكثر، ووجه الوجوب: الوعيد على تركه؛ لأن من علامات الوجوب الأمر، وإذا توعد على ترك الشيء دل هذا على وجوبه؛ لأنه لا وعيد إلا على فعل محرم.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات البعث لقوله: "جاء يوم القيامة".
ومن فوائده: أن الجزاء من جنس العمل؛ لأنه لما مال عن العدل في الدنيا جاء يوم القيامة وشقه مائل جزاء وفاقًا.
[مسألة: كيف يكون العدل بين الزوجات؟]
فإذا قال قائل: بماذا يكون العدل واختلف العلماء- رحمهم الله- في ذلك فمنهم من قال: إن العدل واجب في الواجب، ومنهم من قال: إنه واجب في الواجب والمستحب والمباح؛ فالذين قالوا: إنه واجب في الواجب، قالوا: إنه يجب أن يعدل بين الزوجات في النفقة الواجبة وما زاد علي ذلك فلا يجب فيه العدل، فإذا أعطي كل واحدة منهما كفايتها من مأكل ومشرب وملبس ومسكن فله أن يعطي الأخرى أكثر من ذلك، وبناء على هذا لو أنه أعطي كل واحدة منهما الواجب عليه من النفقة ثم أعطي إحداهما من الحلي والدراهم والأواني والفرش ما لا يعطي الثانية، فهو على هذا القول عادل وليس بآثٍم؛ وذلك لأنه قام بالواجب وما زاد فنفل، والنفل فضل ولا أحد يمنع الفضل.
والقول الثاني في المسألة: أن العدل واجب في الواجب والمستحب والمباح في كل شيء كل ما يقدر عليه، وعليه فإنه لا يجوز أن يخص إحدى الزوجتين بزائد عن الأخرى ولو كان قد قام بواجبها في النفقة؛ لأن كل أحد يعرف أن هذا ميل لو كان إحداهما أعطاها ما يلزم من النفقة والأخرى أنزلها في قصر مشيد وأتي إليها بجميع أنواع الذهب والجوهر وأركبها سيارة فخمة، وجاء لها بخادم وخادمة والثانية جعلها في كوخ يصح لمثلها فهو على القول الراجح آثم ومائل بلا شك.
ومن العدل على القول الراجح أن يعدل بينهما في المخاطبة، لاسيما إذا كان يخاطبها بحضرة كل واحدة، فلا يجوز أن يخاطب الأولي بعنف والثانية برفق لأن هذا خلاف العدل؛ ولأنه يكسر قلب المفضل عليها، ومن العدل أيضًا بينهما العدل في القسم، كما سيأتي إن شاء الله