يأثموا، وفيها من المفاسد - ولاسيما في أيام المواسم - ما هو ظاهر، فإنهم يضيقون على الحجاج ويتعبون أنفسهم ويأتون بالعجائب.
وقد حدثتكم عن رجل رأيته يسعى وقد حلق نصف رأسه الأيمن فصار أبيض مثل هذه الورقة، والأيسر كله شعر! ! فقلت له: كيف هذا؟ قال: هذا عن عمرة أمس والباقي عن عمرة اليوم، فالمساكين يلعب بهم الشيطان! فهذا كله من الجهل، والواجب على الناس أن يعلم بعضهم بعضًا.
إلى متى تكون العمرة إلى العمرة؟ الإمام أحمد رحمه الله ذكر ضابطًا جيدًا في ذلك فقال: إذا حمم رأسه فليعتمر ()، "خمم" يعني: صار أسود مثل الفحمة، يعني: إذا نبت الشعر وظهر سواده يعتمر، ولعله رحمه الله أخذه من أن المعتمر مأمور إما بالحلق أو التقصير، وهذا لا يأتي إلا بعد أن يسود الرأس من الشعر، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى أنه يكره الإكثار منها والموالاة بينها باتفاق السلف، هكذا قال ()، ولكن لعل شيخ الإسلام أراد الموالاة القريبة بحيث لا ينبت الشعر ولا يكون مهيئًا للحلق أو التقصير.
[جهاد النساء: الحج والعمرة]
٦٧٥ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت:"قلت: يا رسول الله، على النِّساء جهادٌ؟ قال: نعم، عليهنَّ جهادٌ لا قتال فيه: الحجُّ، والعمرة"(). رواه أحمد، وابن ماجه واللَّفظ له، وإسناده صحيحٌ، وأضله في الصَّحيح.
قالت رضي الله عنها:"على النساء جهاد؟ " هذه الجملة لفظها لفظ الخبر، ولكن المراد بها الإنشاء، أي: أنها على تقدير الهمزة؛ فيكون التقدير: أعلى النساء جهاد، وحذف حرف الهمزة من الجملة المستفهم بها كثير في اللغة العربية، ومنه قوله تعالى:{أم اتخذوا ءالهة من الأرض هم ينشرون}[الأنبياء: ٢١]. يعني: أهذه الآلهة تقدر على نشر الأموات وإحيائهم، والجواب: لا.
وقولها:"جهاد" مصدر جاهد يجاهد، والجهاد هو بذل الجهل، وهو الطاقة في قتال الأعداء، وإن شئنا عرفناه بمعنى أعم فقلنا: بذل الجهد لإعلاء كلمة الله ليشمل الجهاد بالقتال والجهاد بالعلم، فإن بيان الحق بالعلم جهاد بلا شك، وعلى هذا نقول: الجهاد في الشرع هو بذل الجهد لإعلاء كلمة الله، فيشمل القتال بالسلاح، ويشمل بيان العلم.