للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ينتهي شهر رمضان وبإمكانه بكل سهولة أن يخرج إلى التنعيم ويأتي بعمرة، فهل فعل؟ لا، ما فعل؛ إذن ليس من المشروع وأنا في مكة أن أخرج إلى التنعيم وآتي بعمرة حتى لو بقيت بعد قدومي إلى مكة شهرا أو شهرين فليس من المشروع أن أخرج إلى التنعيم، أو إلى غيره من الحلّ لآتي بعمرة، اعتمر الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة الطائف ونزل بالجعرانة ليقسم الغنائم، دخل مكة ليلا واعتمر وخرج من فوره ما بقي، ولهذا خفيت هذه العمرة على كثير من الناس فلم يعدوها في غمر النبي صلى الله عليه وسلم.

على كل حال أقول: "إن العمرة للعمرة"، لا تدل على أنه ينبغي للإنسان وهو في مكة أن يكثر من التردد إلى الحلّ ليأتي بعمرة، لماذا؟ لأن السنة التركية كالسنة الفعلية، فما دام النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك دل على أنه ليس بمشروع.

فإن قلت: أليس قد أذن النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة أن تخرج إلى التنعيم وتأتي بعمرة؟

نقول: من كان على مثل حالها استحببنا له أن يفعل، أو على الأقل أبحنا له أن يفعل، وإلا فلا، عائشة رضي الله عنها قصتها معلومة، قدمت مع النبي صلى الله عليه وسلم كسائر أمهات المؤمنين في حجة الوداع وأحرمت بعمرة، فلما وصلت "سرف" () حاضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج لتكون قارنة، ففعلت وحجت مع الناس لم تطف ولم تسع أول ما قدمت؛ لأنها ما طهرت إلا يوم عرفة أو يوم العيد، إذن بقيت في يوم العيد فعلت ما فعل الناس، طافت وسعت، ولما انتهوا من الحج - وكان ذلك في ليلة الرابع عشر - طلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة وألحّت عليه وقالت: كيف يرجع الناس بعمرة وحج، وأرجع أنا بحج؟ ومرادها: أرجع بحج، تعني: بأفعال حج، وأما الأجر فقد كتب لها أجر عمرة وحجة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك" (). وهذا ثابت، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم، قال: "أخرج بأختك من الحرم فلتهلَّ بعمرة"، خرج بها وأهلّت بالعمرة ودخلت وطافت وسعت ومشت.

عبد الرحمن بن أبي بكر هل اعتمر؟ لا، فدل هذا على أنهم لا يرون أن هذا خير والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره أن يعتمر مع سهولة العمرة عليه، لأنه ذهب إلى الحلّ، فدل ذلك على أن الإتيان بالعمرة من مكة لمن اعتمر أو لمن حج أيضًا ليس بمشروع، أما ما يفعله العامة الآن من كونهم يترددون إلى الحل بحيث يصل الأمر إلى أن يأتي بعمرة في أول النهار وعمرة في آخر النهار فهذا ليس بصحيح، ولهذا يروى عن عطاء رحمه الله أنه قال: "أيؤجر هؤلاء أم يؤزرون"؟ يعني: أم

<<  <  ج: ص:  >  >>