١٩ - وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال:"لا تأكلوا فيها، إلا ألا تجدوا غيرها، فاغسلوها وكلوا فيها". متفق عليه.
قوله:"إنا بأرض قوم أهل كتاب" يعني بهم: اليهود أو النصارى، لكن الظاهر أن المراد: النصارى؛ لأنهم كانوا - فيما أظن- في أطراف الشام.
وقوله:"إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم" مثل هذه العبارة ترد كثيرا في القرآن الكريم "أفنا" وهي أن يؤتى بالهمزة وبعدها عاطف وبعدها معطوف، فكيف يكون التقدير؟ لعلماء النحو في ذلك وجهان:
الوجه الأول: أنهم يقولون: إن "أفنأكل" معطوفة على ما سبق، وأن الأصل فأناكل" الأصل الهمزة قبلها فاء، فيكون التقدير بعطف جملة إنشائية على جملة خبرية، وهذا لا مانع منه.
والوجه الثاني: يقولون: إن الهمزة داخلة على محذوف مقدر بما يناسب السياق، هذا القول أقعد من الأول؛ أقرب للقواعد من الأول، لكن فيه صعوبة، ووجه الصعوبة: أن الإنسان قد يشكل عليه المقدر فيقول: ماذا أقدر؟ أحيانا يستعصي عليك أن تقدر شيئا معينا، وحينئذ تلجأ إلى القول الأول، وعلى هذا فنقول: إن أمكنك أن تقدر شيئا محذوفا بعد الهمزة عطف على ما بعد العاطف فهذا أولى، وإذا لم يمكن فعليك بالقول الثاني؛ لأن الإنسان إذا لم يجد الماء فإنه يتيمم، فإذا استعصى عليك أن تقدر شيئا مناسبا فقل: الهمزة كان مكانها قبل الفاء، والفاء هي التي عطفت الجملة وليس فيه إلا عطف جملة إنشائية على جملة خبرية.
هنا ماذا نقدر إذا أخذنا بالقول الثاني هل نقدر "أنخالطهم فنأكل في آنيتهم" ماذا نقدر؟
نقدر: "أنخالطهم فنأكل في آنيتهم" أو "أنستعير منهم فنأكل في آنيتهم" أو ما أشبه ذلك، وقوله: "آنيتهم" سبق أن "آنية" جمع إناء، وهو الوعاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا فيها إلا ألا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها" فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين:
الشرط الأول: ألا نجد غيرها.
والشرط الثاني: أن نغسلها ونأكل فيها، ومعلوم أننا لو غسلناها مع وجود غيرها جاز لنا أن نأكل فيها؛ لأنها أصبحت طاهرة، وقد ذكر بعض العلماء - رحمهم الله- أن سبب ذلك أنهم كانوا يطبخون في آنيتهم الخنزير ويشربون فيها الخمور، والخنزير معلوم أنه نجس، والخمر على رأي هؤلاء نجس، ولكن هذا من حيث الأثر لم يثبت، ثم إنه لو ثبت لقلنا: وإذا كانوا