للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الوصية بثلث المال]

(٩٢٢) - وَعَنْ مُعَاذُ بن جَبَلٍ (رضي الله عنه) قال: قال النبيُّ (صلى الله عليه وسلم): «إنّ الله تَصَدّق عَلَيْكُمْ بثلث أمُوَالِكُمْ عِندَ وَفَاتِكُمْ؛ زِيَادَةً في حسناتكم». رَوَاهُ الدَّارَ قُطني وأخرجه أحمد والبزار من حَديث أبي الدَّرْدَاءِ، وَابْنُ مَاجَة: مِنْ حَدِيث أبي هُرَيْرَةً (رضي الله عنه) وَكُلَهَا ضعيفة، لكنْ قَدْ يُقوّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالله أَعْلَمُ.

المراد: رخص لكم أن تُوصوا بثلث أموالكم، وليس المراد مطلق الصدقة؛ لأن كل أموالنا صدقة وتفضل من الله (عز وجل) علينا، القليل منها والكثير، الذي عند الموت، والذي في الحياة، لكن المراد بقوله: «تصدّق» أذن لكم تفضلاً منه بثلث أموالكم عند وفاتكم.

وقوله: «زيادة» يحتمل أن تكون حالاً من ثلث، ويُحتمل أن تكون مفعولاً من أجله أي: من اجل الزيادة في حسناتكم.

ففي هذا الحديث: دليل على أنه يجوز للإنسان أن يُوصي بالثلث ولو عند الموت لقوله: «عند وفاتكم» حتى في مرض الموت يجوز أن يُوصي بالثلث، ويجوز أيضًا أن يوصي بالثلث منقلاً بعد موته لحديث سعد بن أبي وقاص وقد سبق، فالوصية تكون بعد الموت والعطية تكون في مرض الموت، والحديث يقول: «عند وفاتكم» يحتمل أن المراد بالعندية: العندية السابقة أو العندية اللاحقة، فإن كان المراد العندية اللاحقة فهي وصية، وإن كان المراد بالعندية العندية السابقة فهي العطية؛ لأن العلماء يقولون: إن التبرع بالمال في مرض الموت المخوف يُسمّى عطية، ولا ينفذ منه إلا الثلث فقط، ولغير وارث.

في هذا الحديث فوائد: منها: إثبات الصدقة من اللهم لقوله: «إن الله تصدّق»، وقد جاء مثلها في حديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حين سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن قوله تعالي: {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتتنكم الذين كفروا} [النساء: ١٠١]. فقال: يا رسول الله كيف نقصر وقد أُمنا؟ فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم): «صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته»، ففيه إذن إثبات التصدق من الله، وهل تأخذ من إثبات التصدق أن نسميه بالمتصدق؟ لا، بناء على القاعدة العامة من أنه لا يُؤخذ من الصفة اسم، ويُؤخذ من الاسم صفة، يعني: كل اسم فهو متضمن لصفة، وليس كل صفة تتضمن اسمًا، وذلك لأن الصفات أعم من الأسماء وأشمل، ولهذا تكون صفات الله تعالى حتى فيما يقع منه الشر فالله تعالى خلق كل شيء الخير والشر، فالصفة إذن أعم وأوسع.

<<  <  ج: ص:  >  >>