٦٣٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء". رواه الخمسة، وأعلَّه أحمد، وقوَّاه الدَّارقطنيُّ.
قوله:"ذرعه" يعني: غلبه، و"القيء" معناه: لفظ ما في المعدة من الطعام والشراب، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"فلا قضاء عليه"؛ لأنه ليس باختياره، ولكن لو أن هذا الرجل الذي غلبه القيء وفرغت معدته من الطعام والشراب لو أنه أنهكه الجوع والعطش وخاف على نفسه من الضرر والهلاك يجوز أن يأكل ويشرب لدفع الضرر، ويكون إفطاره هنا بالأكل والشرب لا بالقيء الذي غلبه.
قال:"ومن استقاء" هذه على وزن استفعل، وأصله استقييء من القيء، لكن نقلت حركة الياء إلى الساكن قبلها، ثم صارت ساكنة بعد فتح فقلبت ألفًا فصارت "استقاء".
يقول:"فعليه القضاء"، "على" من أحرف الوجوب؛ لأن كلمات الوجوب كثيرة: يلزم؛ ويجب، وحتم، وفرض، ومكتوب، وما أشبه ذلك، "على" أيضًا قال العلماء: إنها من أدوات الوجوب، وهي ظاهرة فيه، وليست بصريحة، إذن "فعليه القضاء" فظاهره وجوب القضاء؛ أي: قضاء ذلك اليوم الذي استقاء فيه، وبماذا يستقيء؟ يستقيء بالقول والفعل، والشم والنظر، بالقول؛ يعني: وهو يتحدث عن أشياء مكروهة حتى تروج معدته ثم تخرج، الشم يذوب أشياء ممكنة، ويشمها حتى يقيء، النظر ينظر إلى أشياء كريهة فيقيء، الفعل يدخل أصبعه في حلقه أو يعصر بطنه عصرًا شديدًا حتى يخرج، السمع أيضًا، ممكن يسمع أشياء توجب هيجان المعدة وخروج ما فيها. المهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أداة الاستقاء بل قال: "من استقاء" بأي سبب يكون فعليه القضاء، يعني: يجب عليه أن يقضي، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما أوجب القضاء فيما يظهر على من كان صومه ذلك اليوم واجبًا؛ لأن من كان صومه غير واجب فله أن يفطر، ولا قضاء عليه، وقد سبق لنا من حديث عائشة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"أرينيه فلقد أصبحت صائمًا" فأرته إياه فأكل، وعلى هذا فيكون عليه القضاء إذا كان واجبًا.
فيستفاد من هذا الحديث: أولًا: أن الاستقاء مفسد للصوم لقوله: "فعليه القضاء".