بدليل ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد قال:"كنا نؤديها صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذٍ التمر، والشعير، والزبيب، والأقط"، وعليه فيكون الأمر مقيدًا بما يكون طعمة للمساكين ومصلحة لهم؛ فإذا جاء وقت من الأوقات بحيث لا يكون التمر طعامًا ولا قوتًا، ولا الشعير كذلك فإنا نقول: أخرج من قوت بلدك.
ومن فوائد الحديث: أن القيمة لا تجزئ في زكاة الفطر، وجه ذلك: أنه قال: "صاعًا من تمر أو شعير"، والتمر والشعير غالبًا تختلف أقيامهما، ولو كانت القيمة معتبرة لقال: صاعًا من تمر وما يعادله من الشعير، فلما فرضها من أجناس مختلفة النوع مختلفة القيمة مع الاتحاد بالمقدار علم أن القيمة هنا غير معتبرة، وهذا القول هو الراجح، وإن كان في زكاة المال قد تجزئ القيمة عن عين المال، لكن هنا لا يصح إلا صاعًا من تمر أو شعير أو من طعام.
ومن فوائد الحديث: أن زكاة الفطر واجبة على كل مسلم، وما ذكر في الحديث فهو من باب تعداد الأنواع: الحر والعبد، والصغير والكبير، والذكر والأنثى، فهي واجبة على كل مسلم.
[فائدة: الواجبات تسقط بالعجز]
وهل تجب صدقة الفطر على العاجز الذي لا يقدر، مثل إنسان ليس عنده صاع؟ لا تجب، فهل تبقى في ذمته؟ لا؛ لأن القاعدة عندنا أن الواجبات تسقط بالعجز عنها حين وجوبها؛ ولهذا مر علينا في قصة المجّامع في رمضان حين كان فقيرًا وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ التمر، هل قال: فإذا قدرت فأده؟ لا، فالواجبات المقيدة بزمن إذا جاء ذلك الزمن ولم يكن الإنسان قادرًا عليها فإنها تسقط عنه، وإلا لألزمنا المسلمين بأمور كثيرة يعجزون عنها، كأن نقول: الصلاة إذا كنت غير قادر عليها ثم قدرت فيما بعد تؤديها، وكذلك أيضًا نقول في الكفارات، ونقول أيضًا في الواجبات المالية، فكل واجب إذا كان معينا بزمن وجاء ذلك الزمن وأنت غير قادر عليه فإنه يسقط.
ومن فوائد الحديث: شرط الإسلام لوجوب الواجبات لقوله: "من المسلمين"، ولكن هل فقدان هذا الشرط يسقط المطالبة في الآخرة أو لا؟ الصحيح أنه لا يسقط المطالبة في الآخرة، بمعنى: أن الكفار لا نطالبهم بفعل شرائع الإسلام حال كفرهم، ولا نطالبهم بقضائها بعد إسلامهم، لكن لو ماتوا على الكفر فإنهم يعاقبون عليها هذا هو القول الصحيح.
ومن فوائد الحديث: تأديتها قبل الصلاة لقوله: "وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة"، لكن ماذا تفهمون من قوله:"قبل خروج الناس إلى الصلاة"؟ هل تفهمون أنها تؤدى في نفس اليوم قبل الخروج؟ هذا هو الظاهر، وإلا لقال: وأمر أن تؤدى قبل ليلة العيد؛ لما قال:"قبل خروج الناس إلى الصلاة" كان ظاهره أنها تؤدى في صباح العيد، ولكن قبل الصلاة.