للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك لمن يشاء} فيكون المعنى: ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء إلا إذا ورد أنه لابد أن يعاقب عليه كما في هذا الحديث وهذا وجه قوي.

وقال بعضهم: إن هذا الحديث يخصص بالآية فيكون هذا مطلقاً ويخصص بالآية ويقال: إن فاعله داخل تحت المشيئة وعلى هذا التقدير -يعني لو أننا تنزلنا جدلاً لهذا الاحتمال وهو خلاف الظاهر- فإننا نقول: وفاعل المعصية التي لا تغفر في الحسنات مخاطر من يضمن أنه يدخل في قوله تعالى: {لمن يشاء}؟ لا أحد يضمن. إذن الإنسان مخاطر على كل حال.

ومن فوائد الحديث: إثبات الجنة ولا يقال هذا كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا أو قول الآخر: كأننا والماء من حولنا قوم جلوس حولهم الماء؛ لأن هذا أمر معلوم بالضرورة فيقال: إن زيادة الأدلة يزداد بها اليقين لكن نحن عندنا علم يقيني بوجود الجنة والنار.

[أمر الوالي بالرفق برعيته]

١٤٢٩ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فشق عليهم، فاشقق عليه". أخرجه مسلمٌ.

قد يكون هذا الحديث ضد الأول "من ولي من أمر أمتي شيئاً" شيئاً نكرة في سياق الشرط فيعم أي شيء يكون، "فشق عليهم" أي: حملهم ما يشق عليهم فاشقق عليه وهذا الذي دعا بهذا الدعاء من؟ الرسول صلى الله عليه وسلم وهو دعاء بما تقتضيه حكمة الله عز وجل فإن الجزاء من جنس العمل فكما أن الإنسان شق على عباد الله فإن الله تعالى يشق عليه، ومن جملة المشقة عليه أن يتمادى فيما شق على المسلمين فإن الله يشق عليه فيكون ذلك من عقوبته -والعياذ بالله-، وقوله: "فشق عليهم" هذا مستثنى منه المشقة التي أمر بها فمثلاً قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أبنائكم بالصلاة لسبعٍ واضربوهم عليها لعشر". والضرب قد يشق على الإنسان لكن هذا أمر مما أذن فيه وقال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدٍ منهما مائة جلدةٍ ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله} [النور: ٢]. وهذه مشقة لكنها مشقة مأمور بها وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الزاني المحصن يرجم"، وهذه مشقة لكنها مأمور بها، فالمهم أن قوله: "فشق عليهم" أي: مشقة لم يؤمر بها أما إذا أُمر بها فإن الله يقول في الزاني والزانية: {ولا تأخذكم بهما رأفةٌ في دين الله}.

<<  <  ج: ص:  >  >>