كبيرة من كبائر الذنوب، وهي التجسس لحساب المشركين، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب حينما استأذنه أن يقتله، قال له:«وما يدريك أن الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»، فكانت هذه الحسنة العظيمة ماحية لهذه السيئة الكبيرة، والسيئة الكبيرة منغمرة في هذه الحسنة الكبيرة، أيضًا قد يكون منهم من تاب ومن تاب تاب الله عليه، قد يكون منهم من طهر بإقامة الحد عليه أو العقوبة، ومعلوم أن الحدود كفارة للذنوب، قد يكون بعضهم استغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم لما يسأل بعضهم الرسول يقول: يا رسول الله! استغفر لي، فالمهم أن الأصل فيهم العدالة، وما يروى عن بعضهم من الوقوع في المعصية فإن هذه المعصية لها أسباب كثيرة تنغمر فيها هذه المعصية، ولهذا لا شك أنهم عدول في الأصل، والأصل قبول خبرهم، ولو كانوا مجهولين.
فإن قال قائل: أليس أبو موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب ثلاثًا، ولما لم يأذن له انصرف، ثم لما عابته عمر على ذلك أخبره بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لمن يستأذن ثلاثًا أن ينصرف، فقال له: هات من يشهد معك، فكيف تقولون: إن الأصل قبول خبر الصحابي وأن جهالته لا تضر؟
فالجواب: أن نقول: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يتثبت لأنه قد يفهم الشيء على خلاف ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم، وليس هذا ردًا لخبر أبي موسى، ثانيًا: أن عمر بن الخطاب أدرك زمن التابعين، فخاف أن يقوم أحد من التابعين بفعل شيء يلام عليه ثم يدعي أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن له في ذلك، فأراد رضي الله عنه سد الباب، ولا أظن أن عمر يشك في صدق أبي موسى، وأن أبا موسى أراد أن يحابي نفسه، فيروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما لم يقله، هذا شيء مستحيل.
على كل حال نعود إلى الأصل، وهو أن الأصل في الصحابة العدالة، ولهذا قال أهل الحديث: إن جهالة الصحابي لا تضر.
****
[١٧ - باب الوقف]
"الوقف": مصدر وقف يقف وقفًا ووقوفًا، وأصل الوقف قطع المشي والسير، ولكنه هنا تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، يعني: أن يحبس الإنسان أصل المال، ويسبل منفعته يطلقه، مثاله: أن يوقف هذا البيت على الفقراء فأصل البيت محفوظ لا يمكن أن يتصرف فيه ببيع ولا هبة ولا ميراث ولا غيره، ومنفعته للفقراء مطلقًا كل من كان فقيرًا استحق من هذا الوقف، ولهذا