نقول: الوقف: هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ولم يكن هذا التصرف في المال معروفًا في الجاهلية، وأول وقف كان في الإسلام وقف عمر بن الخطاب الآتي في الحديث الذي بعد الحديث الأول، والوقف في الأصل يقصد به البر والتقرب إلى الله عز وجل، لأن الإنسان يوقفه ليبقى العمل له بعد موته، فيكتسب بذلك أجرًا وصوابًا بع الموت وبناء على هذا؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يوقف وقفًا محرمًا، مثل: أن يوقف على بعض أولاده على الآخرين، والتفضيل حرام، والوقف إنما يقص به التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يمكن أن تقرب الإنسان إلى الله بمعصية الله. فبدأ المؤلف بحديث أبي هريرة:
٨٨٥ - عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، أو علم ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له». رواه مسلم.
"إذا مات ابن آدم انقطع" هذه جملة شرطية يتوقف فيها الجواب على الشرط، فإذا مات الإنسان، انقطع عمله، وانتقل إلى دار الجزاء؛ لأنه دار العمل هي الدنيا فقط، وبعد الموت لا عمل وليس فيه إلا الجزاء.
"إلا من ثلاث" فإنه لا ينقطع عمله قال: "صدقة جارية": الصدقة الجارية كل نفقة تكون بعد الموت في سبيل الله، أي: فيما يقربه إلى الله، ولا يختص ذلك بالفقراء والمساكين، بل لو وقف شيئًا على المار في هذا الطريق وقف شيئًا للشرب يشرب منه الأغنياء والفقراء، بنى مسجدًا يصلي فيه الأغنياء والفقراء، فكل هذا داخل في الصدقة الجارية، ومعنى جارية: أي مستمرة بخلاف الصدقة المقطوعة فهي أن يتصدق الإنسان بدراهم على شخص وينتهي، الصدقة الجارية أن يستمر هذا الإنفاق مثل أن يوقف بيتًا على طلبة العلم، هذا البيت سوف يبقى الانتفاع به ما دام البيت باقيًا، فإذن الصدقة فيه جارية مستمرة كذلك لو أوقف سيارة للحجاج والعمار فالانتفاع بهذه السيارة باقٍ مستمر، فيكون من الصدقة الجارية، أوقف عين ماءٍ لمن يشرب من المسلمين هذه أيضًا صدقة جارية.
الخلاصة الآن: أن الصدقة الجارية كل ما ينفق تقربًا إلى الله سواء كان على الفقراء أو على جهات أخرى والصدقة الجارية قد تكون خاصة، وقد تكون عامة، فالخاصة مثل: أن يقول: هذا البيت وقف على الفقراء من ذريتي هذا خاص للفقراء من الذرية، والعام مثل: أن يقول: هذا البيت وقف على الفقراء من المسلمين، فيشمل كل من افتقر من المسلمين، ومن العام أن