للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبني مسجدًا يصلي فيه المسلمون، فإن هذا المسجد سوف يعم من المسلمين الأمم الكثيرة التي قد لا تكون على فكر الذي أوقفه.

"أو علم ينتفع به" يعني: إذا مات الإنسان وانتفع الناس بعلمه بعد موته؛ فإنه يجري له أجره سواء كان ذلك مما ينتفع به في الدنيا، أو مما ينتفع به في الآخرة؛ لأن الذي ينتفع به في الدنيا في أجر، لكن الذي ينتفع به في الآخرة أكثر أجرًا، فإذا خلف الإنسان علومًا شرعية، وانتفع الناس بها عبد موته فهذا علم لا ينقطع، إذا خلف علومًا دنيوية ينتفع الناس به كعلم الخياطة، وعلم البناء، وما أشبه ذلك، فإنه أيضًا له أجره، كما لو زرع الإنسان زرعًا أو غرس غرسًا وانتفع الناس به أكلوا من ثمره فإنه يؤجر عليه، كذلك إذا انتفعوا بعلمه الدنيوي الذي ينفع الناس؛ فإنه يؤجر عليه، لكنه ليس كالأجر على العلم الشرعي الذي ينتفع الناس به في دينهم، أما إذا كان علمًا آخر يضر الناس؛ فإنه لا أجر له فيه، كما لو علم الناس علومًا من الألعاب المحرمة، أو المعازف المحرمة؛ فإن ذلك يكون وزرًا عليه ما دام الناس يأخذون به.

قال: "أو ولد صالح يدعو له": قوله: "ولد صالح" هل هو شرط أو هو لبيان الواقع؟ قال بعض العلماء: إنه شرط؛ لأن غير الصالح لا تستجاب له دعوى، فلا ينتفع به والده، وقيل: إنه لبيان الواقع؛ لأن الغالب أنه لا يدعو للأب إلا الصالح سواء استجيب أو ما استجيب، وغير الصالح ربما يستجاب له، وهذا هو الأقرب أن هذا القيد لبيان الواقع؛ لأن غير الصالح ينسى والده، لكن الصالح هو الذي يذكر والده فيدعو له.

وقوله: "أو ولد" يشمل الذكر والأنثى؛ لأن الولد في اللغة العربية يشمل الجنسين جميعًا كما قال الله تعالى: {يوصيكم الله في أولدكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [النساء: ١١]. قال: أولادكم، ثم فصل فقال: {للذكر مثل حظ الأنثيين}، إذن فالولد اسم يشمل الذكور والإناث.

وقوله: "يدعو له" أي: يسأل الله له المغفرة، والرحمة، والجنة، وما أشبه ذلك؛ فإن هذا من العمل؛ لأنه إذا دعا له بالمغفرة واستجاب الله دعاءه انتفع الولد بغفران الذنوب، وهذا من العمل، والشاهد من هذا الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: "صدقة جارية"؛ لأن الوقف صدقة جارية، فيكون الواقف منتفعًا بوقفه بعد موته.

وفي هذا الحديث فوائد:

أولاً: الحث على العمل الصالح والمبادرة به؛ لقوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عنه عمله"، والإنسان لا يدري متى يفجؤه الموت؛ فإذا كان لا يدري متى يفجؤه الموت، وقد علم أنه إذا مات انقطع عمله أوجب له ذلك كثرة العمل الصالح، والمبادرة به، وعدم الكسل والتهاون.

ومن فوائد الحديث: فضيلة الصدقة الجارية لقوله: "إلا من ثلاثٍ: صدقة جارية".

<<  <  ج: ص:  >  >>