يقول: تقدم أنت، والثاني يقول تقدم أنت حتى تنتهي إلى أسوئهم، وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله في رسالة له في الصلاة أنه إذا أم القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال، يعني: في انحطاط وتأخر ونزول، لأنه يجب أن يولى الأمور من هو أحق الناس بها.
[حكم الحاكم أو القاضي أو المفتي المجتهد]
١٣٣٠ - وعن عمر بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا حكم الحاكم، فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم، فاجتهد ثم أخطأ؛ فله أجره. متفق عليه.
"إذا حكم حاكم" هل المراد بذلك الذي يحكم بين الناس وهو قاض أو الحاكم بالشرع من قاض وغيره؟ الثاني؛ لأنه أعم؛ وإذا كان المعنى أعم واللفظ يحتمله فهو أولى من المعنى الخاص. إذن "إذا حكم الحاكم"، أي: من حكم بالشرع سواء بين الخصوم وهو القاضي أو للمستفتين وهو العالم.
وقوله:"فاجتهد ثم أصاب" قال بعض العلماء: إن في هذا تقديماً وتأخيراً؛ لأن الأصل أن الاجتهاد يسبق الحكم، وأن أصله:"إذا اجتهد الحاكم فحكم ثم أصاب" وهذا يسمونه: الترتيب الذكري؛ لأن الترتيب إما أن يكون معنوياً أو ذكرياً، ودائماً يستشهدون بقول الشاعر:
(إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم ساد من بعد ذلك جده)
يعني: فهو السيد حقا، الشاهد:"ثم ساد أبوه ثم ساد جده، ومعلوم أن سيادة أبيه وجده في الغالب سابقة على سيادته، فلهذا قالوا: إن ذلك من باب الترتيب الذكري.
وعلى كل حال: البيت فيه منازعة ومناقشة، لكن الحديث الذي معنا هل نقول: إن هذا من باب التقديم والتأخير وإن الأصل إذا اجتهد الحاكم فحكم؟ نعم، هذا لا شك أنه محتمل، ويحتمل أن يكون المعنى: إذا حكم الحاكم فكان مجتهداً، فيكون التقدير: "كان" أي: فكان مجتهداً في حكمه، وحينئذ يبقى الترتيب كما هو، ويكون الاجتهاد هنا خبراً عما سبق الحكم.
وقوله: "اجتهد" فعل على وزن افتعل أي: بذل الجهد في الوصول إلى الحق، وهذا يحتاج أولاً: إلى معرفة الحكم الشرعي قبل كل شيء، فمن لم يعرف الحكم الشرعي لا يجوز له أن يجتهد؛ لأنه لو اجتهد وحكم سيكون حاكماً برأيه لا بالشرع، ويكون إن أصاب كالأعمى الذي عثر بخرزة السبحة يعني: من غير قصد، وهذا لا يجوز فلابد أن يبذل جهده في الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي، هذه واحدة.