يكون فيها الإلزام بالغسل حرجًا وشاقًا, أليست الحمير في أول النهار قبل أن تحرم من الطيبات الحلال, هذا الحمار بعينه الذي لو ذبحناه في الصباح أكلناه في المساء لما حرم صار نجسًا خبيثًا وهو لم يتغير, هو الحمار في أول النهار قبل التحريم, وبعد التحريم لكن الله عز وجل هو الذي بيده كل شيء, فهو -سبحانه وتعالى- يمكن أن يمنع ما كان ضارًا فلا يسري ضرره إلى المحل القابل للضرر؛ لأن الأمر بيده عز وجل كل شيء بيده, قد يعجز الأطباء عن مرض من الأمراض النفسانيون والجسديون وغيرهم ويشفه الله عز وجل بدون شيء؛ لأن الذي خلق للإنسان؛ أولاً: هو القادر على أن يرفع عنه, ثانيًا: كل الأمور بيد الله, فالقول الراجح ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أنه لا يجب غسل ما أصابه فم الكلب من الصيد وذلك للمشقة. أسألك: لو أن هذا الكلب بعد أن جاء بالصيد وألقاه بيد صاحبه جعل يأكل منه هل يجب علينا أن نغسل ما أصاب فمه؟ نعم؛ لأن هذا الأخير يمكن التحرز منه وليس فيه مشقة إذا تحرزنا أو طهرناه بعد أن يصيبه بخلاف ما كان عند صيده, فإن فيه مشقة ولا يمكننا أن نتحرز منه وكل شيء له حكمه.
[الصيد بالسهم وحكمه]
١٢٨٤ - وعن أبي ثعلبه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رميت بسهمك, فغاب عنك, فأدركته فكله, ما لم ينتن". أخرجه مسلم. هذا كحديث عدي رمى بسهم صيدًا فأصابه ثم غاب عنه ووجده بعد ذلك, فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:"فكل ما لم ينتن"؛ أي: ما لم تتغير رائحته بنتن, فإن تغيرت رائحته بنتن فلا تأكل, وهل نقول: إن هذا شرط زائد على ما في حديث عدي؛ لأن حديث عدي فيه أنه لم ير فيه إلا أثر سهمه؟ نقول: نعم هذا شرط زائد, ولابد من الشرط السابق الذي دل عليه حديث عدي. إذن فإذا وجده بعد أن رماه وغاب عنه يأكله إلا أن يجد فيه أثر غير أثر سهمه أو يجد نتنًا, أما الأول فلأنه شرط لحل الصيد لا يحل الصيد؛ لأنه جيفة, وأما الثاني فليس حلاً للصيد, فالصيد حلال وطاهر وليس بخبيث, لكنه إذا كان منتنًا فإن أكله ربما يضر بالصحة, فلهذا اشترط النبي صلى الله عليه وسلم هذا الشرط, فيكون الشرط الأول الذي في حديث عدي شرطًا لحله الحل الوضعي؛ بمعنى: أنه لا يصح صيده إذا وجد معه صيدًا آخر, أما هذا فشرط لحله التكليفي؛ لأنه إذا كان منتنًا فإنه يضر وليس هذا شرطاً لصحة الصيد, ويظهر أثر الفرق بأن هذا الإنسان الذي غاب عنه الصيد حتى وجده منتنًا, نقول: إن الصيد طاهر والأول الذي وجد فيه جرح