للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصوم متتابعًا؟ نعم متتابع والمشهور من المذهب أنه ينقطع؛ لأن الله قال: {فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسَّا} [المجادلة: ٤]. فجعل الله هذين الشهرين موصوفين بالتتابع قبل المسيس، فإذا مس قبل صيام شهرين متتابعين ثم تابع فإنه لا يصدق عليه أن صام شهرين متتابعين من قبل المماسة، وهذا أحوط، ولكن في النفس منه شيء، لكن إن كان ذلك عن جهل منه فلا شك أنه يبني على ما مضى لأنه فعل محظورًا جاهلًا، وفعل المحظور جهلًا لا يترتب عليه أثره.

ومن فوائد الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم نعنفه حين سأل، وهذه الفائدة لها نظائر وهو من جاء تائبًا فإننا لا نعنفه بل نشكره تشجيعًا له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعنف الذي جامع مع امرأته في نهار رمضان وهو صائم؛ لأنه جاء تائبًا يريد الخلاص، وهناك فرق بين من جاء تائبًا يريد الخلاص ومن أعرض ولم يهتم بالأمر.

[٢ - باب اللعان]

[تعريف اللعان]

"اللعان": مصدر لاعن، ولهذا الوزن من الأفعال مصدر آخر وهو الملاعنة، كما يقال: قاتل مقاتلة وقتالًا، وجاهد مجهادة وجهادًا، واللعان مأخوذ من اللعن، وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ومن الآدمي السب فإذا قيل: تلاعن الرجلان، فمعناه: سب أحدهما الآخر، أو دعا كل واحد منهما على الآخر باللعنة، وهو- أي: اللعان- أيمان مكررة مؤكدة بشهادة تكون من كلِّ من الزوج والزوجة، لكنه من الزوجة بلفظ الغضب ومن الزوج بلفظ اللعن، فغلَّب جانب الزوج وهو اللعن وله سبب وهو: رمي الزوج زوجته بالزنا- والعياذ بالله-، يعني: أن يقول الزوج لزوجته: أنت زانية أو زنيت! وهو أمر عظيم، فلو وقع القذف من غير الزوج لم يكن لعانًا، وإنما يقال للقاذف: عليك أن تقدم البيِّنة أو حدٌّ في ظهرك، فلو قال زيد لعمرو أنت زانٍ قلنا: هات أربعة شهود يشهدون وإلا جلدناك ثمانين جلدة ولا يوجد طريق غير هذا إلا أن يقر المقذوف، إذا أقر ثبت زناه بإقراره، أما إذا صدر من الزوج فإنه من المعلوم أنه من البعيد جدًا أن يقذف الرجل زوجته بالزنا؛ لماذا؟ لأن ذلك تدنيس لفراشه وتشكيك في نسب أولاده ولا يمكن أن يقع هذا من الزوج إلا عن يقين، إلا أن يكون زوجًا عصبيًا غضوبًا فقد يتكلم، لكن زوج متأنٍّ مطمئن يمكن أن يقذف زوجته بالزنا، فهذا بعيد جدًّا ولا يمكن أن يقدم الزوج إلا عن يقين ولما نزلت قوله تعالى: {والَّذين يرمون المحصنات ثمَّ لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدةً ولا تقبلوا لهم شهادةً أبدًا وأولئك هم الفاسقون} [النور: ٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>