إذا قال قائل: كيف نجمع بين هذا الحديث الذي فيه جواز بيع أمهات الأولاد بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم مع إقرار الله إياه وبين نهي عمر؟
نقول: الجمع بينهما ظاهر؛ لأنه لا معارضة في الواقع، فبيعهن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن هناك تفريق، والنهي في عهد عمر إذا كان هناك تفريق، وعليه فما دام الجمع ممكنًا فإنه يجب المصير إليه ولا يعارض هذا بهذا ما دام قد حصل إمكان الجمع، فنقول: ما جاء فيه سنة من جواز بيع أم الولد فإنه محمول على ما إذا لم يكن هناك تفريق، وأما إذا كان تفريق كما ذهب إليه عمر رضي الله عنه فلا بيع إذا أتت بولد ومات تباع؛ لأنه ليس هناك تفريق، كذلك إذا أتت بولد وبيع الولد معها لا تباع؛ لأن أم الولد من جاءت بولد من سيدها، أما لو كان من غير سيدها فيجوز أن تباع معه لكن من السيد لا يمكن أن يباع الولد مع أمه لأنه حر.
خلاصة هذه المسألة أن نقول: إذا كان بيع الأم يستلزم التفريق بينها وبين أولادها فالبيع حرام وفاسد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التفريق بين الوالدة وولدها، وإذا كان لا يستلزم ذلك فلا بأس به، فعلى الثاني يحمل ما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الأول يحمل ما كان في عهد عمر، إذن أمُّ الولد حكمها حكم الإيماء في الاستمتاع والحلّ للسيد، وحكمها حكم الحرة باعتبار نقل الملك فيها؛ لأنه لا يجوز فيها نقل الملك.
أما حديث جابر فأظن أن فوائده قليلة؛ لأنه يستفاد منه: أن بيع أمهات الأولاد جائز على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويستفاد منه أيضًا: أن الحكم يتغير بتغير الأحوال، إذا وجد مقتضى يقتضي تغيير الحكم الأول فلا بأس به، وأما تغيير الحكم إلى شرع جيد على وجه مستقل فهذا لا يمكن بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن إذا وجد سبب يقتضي تغيير الحكم فإن هذا يجوز، إذ لا بأس أن تتبع هذه المصلحة، ولكنه كما قلت: ليس هذا تغييرًا للحكم على سبيل الاستمرار ورفع الحكم الأول؛ لأنه لا نسخ إلا بالكتاب والسنة إنما تغيير الحكم لمقتضى اقتضاه على وجه مؤقت لا على وجه دائم.
[النهي عن بيع فضل الماء وعسب الفحل]
٧٦٠ - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:"نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن بيع فضل الماء". رواه مسلمٌ.
- وزاد في روايةٍ:"وعن بيع ضراب الجمل".
النهي -كما سبق- طلب الكف على وجه الاستعلاء، وقوله:"عن بيع فضل الماء""فضل" يعني: زيادة، أي: ما زاد على قدر الحاجة فإنه لا يجوز بيعه إنما نصّ على ذلك؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يبيع إلا ما زاد على حاجته، أما ما تعلقت به حاجته فإنه لا يبيعه.