الصورة؛ لأن أوله:"إذا سجد فلا يبرك كما يبرك البعير"، والبعير إذا برك يقدم يديه لا شك، فإذا قال:"وليضع يديه قبل ركبتيه" صار متناقضًا للأول نعرف أنه وهم، لماذا لا نجعل الوهم في الأول ونقول:"وليضع يديه قبل ركبتيه" هذا هو المحفوظ؟ نقول: لأن الشارع جرت عادته بالنهي عن التشبه بالحيوان، قال:"لا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب"، "لا يلتفت كالتفات الثعلب"، "لا ينقر كنقر الغراب"، فإذن عرفنا أن الأول هو الثابت والثاني منقلب وأن صوابه:"وليضع ركبتيه قبل يديه"، لكن يأتينا رجل من أجهلكم بلغتك فيقول: ركبة البعير في يديه، فإذا قال:"لا يبرك كما يبرك البعير" معناه: لا يبرك على ركبتيه فيكون أنتم جاهلون بلغتكم، ثم إذا حملنا الحديث على هذا المعنى ما صار فيه تناقض اتفق أوله وآخره فليكن هذا هو الحق، قلنا: هذا صحيح نحن معك في أن ركبتي البعير في يديه ولا أحد ينكر هذا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم وفصاحة اللسان ونصاعة البيان قال:"فلا يبرك كما يبرك"، ولم يقل: فلا يبرك على ما يبرك، لو قال: لا يبرك على ما يبرك عليه البعير، لقلنا: هذا صحيح لا يبرك على الركبتين، لكن قال:"كما يبرك" والكاف للتشبيه، فالمراد: أن تكون هيئته عند السجود كهيئة البعير عند البروك، أما نفس العضو المبروك عليه فهذا ما تعرض إليه الحديث، أنا أقول هذا من أجل أن الإنسان عندما تأتيه مثل هذه الأحاديث عليه أن يقيسها بالأحاديث الأخرى الثابتة التي تعتبر في السُّنة إبانًا، لو جاءنا حديث رواه أبو داود يخالف ما رواه البخاري ومسلم مخالفة لا يمكن الجمع فيه فنقدم ما رواه البخاري ومسلم، فلهذا المؤلف رحمه الله يقول:"رفعه فوهم"، إذن الوهم يجري على الرواة ولا شك ونحن ننظره في أنفسنا دائمًا، نتوهم بما ندركه بالسمع وبما ندركه بالبصر وبما ندركه بالقلب، الوهم جارٍ على ابن آدم في كل الحواس.
٧٥٩ - وعن جابرٍ رضي الله عنه قال:"كنَّا نبيع سرارينا، أمَّهات الأولاد، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حيٌّ لا يرى بذلك بأسًا". رواه النَّسائيُّ، وابن ماجه والدَّارقطنيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان.
"السراري" جمع سريَّة، وهي الأمة التي يطأها سيدها، قد تلد منه وقد لا تلد، قد تلد كما حصل لمارية القبطية رضي الله عنها حيث تسرَّاها النبي صلى الله عليه وسلم فأتت منه بولد وهو إبراهيم، وقد لا تلد، ولكنَّ جابرًا رضي الله عنه يقول:"أمهات الأولاد"، فصرّح بأنها أم ولد، وأنهم كانوا يبيعونها والنبي صلى الله عليه وسلم حيٌّ لا يرى بذلك بأسًا، وهذا إقرار من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان قد علم بذلك، أو من الله إن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلم؛ لأن الله إذا لم ينزل الإنكار على عمل عمل في عهد نزول الوحي دلّ هذا على الجواز فيه.