المهم: أن هذا الحديث- كما ترون- موقوف على الصحابة، فيكون هذا من فعل الصحابة لكن الذي ينسب من فعل التابعي يسمى مقطوعًا، أما الحديث المرفوع فيقول ابن القيم: إنه لا يصح رفعه، بل قال بعضهم: إنه لا يشك في وضعه، وقد روي عن الإمام أحمد ما يدل على أنه أنكره، وعلى هذا فمسألة تلقين الميت بعد موته لا أصل لها ولا ينتفع به؛ لأن عمله انتهى، قولنا له:"قل لا إله إلا الله" ماذا يفيده؟ ومن يقول: إنه يقول: لا إله إلا الله بعد موته؟ وإنما إذا سئل أجاب، فقال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، فالصواب في هذه المسألة أنه لا يستحب تلقين الميت بعد موته سواء كان بالغًا عاقلًا أو صغيرًا، وقال بعض العلماء: إنه يلقن الكبير العاقل دون الصغير والمجنون؛ لأنهما غير مكلفين ولكن الصحيح عدم التلقين مطلقًا، وإنما يستغفر له ويسأل له التثبيت، وهذا الظاهر من فعل الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه مادام يقف عليه، ويقول:"استغفروا لأخيكم"، ولا يلقنه ولم يأمر بتلقينه دل على أن هذا ليس من السنة.
[زيارة النساء للقبور]
٥٥٧ - وعن بريدة بن الحصيب الأسلميِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها". رواه مسلمٌ.
- زاد التَّرمذيُّ:"فإنها تذكِّر الآخرة".
وفي رواية لمسلم أيضًا:"فإنها تذكر الموت"، قوله- عليه الصلاة والسلام-: "زوروا" الزيارة هي: أن يفد الإنسان إلى المزور إما لقرابة أو صداقة أو غير ذلك فإن كانت لمرض سميت عيادة؛ لأنها تتكرر.
وقوله:"كنت نهيتكم" أي: فيما سبق، وقوله:"فزوروها" أمر لكنه ورد بعد النهي، وسيأتي- إن شاء الله- الكلام عليه، وقوله:"فإنها تذكر الآخرة" الجملة تعليل للأمر بالزيارة، ومعنى قوله:"فإنها تذكر الآخرة" أي: تجعل الإنسان يذكر الآخرة؛ لأنه إذا مرّ بهؤلاء القوم وزارهم وكانوا بالأمس معه على ظهر الأرض وهم الآن في أعمالهم مرتهنين، فإنه لا شك يذكر هذا اليوم فهذا الحديث يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نهى أصحابه عن زيارة القبور، وذلك في أول الأمر خوفًا عليهم من الشرك؛ لأن زيارة القبر قد تكون ذريعة إليه- أي: إلى الشرك- فإن الذين يزورون القبور لا تخلو حالهم من أحوال أربعة: إما أن يدعوا لأهل القبور وإما أن يدعوا الله بأهل القبور، وإما أن يدعوا الله عند القبور، وإما أن يدعوا أهل القبور أنفسهم، فهذه أحوال من يزور القبور.