٦٠٤ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"قيل: يا رسول الله، أيُّ الصَّدقةٍ أفضل؟ قال: المقلِّ، وابدأ بمن تعول". أخرجه أحمد، وأبو داود، وصحَّحه ابن خزيمة، واين جان، والحاكم.
المراد بالصدقة: صدقة التطوع، لماذا؟ لأن الصدقة الواجبة تكون من غير الجهد، لأنها لا تجب إلا على من يملك النصاب.
وقد يقول قائل: إن هذا ليس بلازم؛ لأن الصدقة الواجبة قد تكون أيضًا من جهد المقل، كيف ذلك؟ يكون رجل عنده عائلة كثيرة، فهذا يكون النصاب أو النصابين لا يجدان شيئًا لكفايته يعنى: هو مقل وإن كان عنده نصاب أو نصابان؛ لأن عائلته كثيرة والمؤنة شديدة، وعليه فينبغي أن نقول: الصدقة هنا شاملة للصدقة الواجبة، وهي الزكاة، وصدقة التطوع، ومن المعلوم أن جنس الواجب أفضل من جنسه من التطوع لقوله تعالى في الحديث القدسي:"ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه".
فلو قال قائل: أيهما أفضل صلا? الفجر ركعتان، آو صلاة الضحى ركعتان؟
قلنا: صلاة الفجر، لأنها واجبة، درهم من زكاة أفضل من درهم من صدقة تطوع.
وقوله:"جهد المقل" يعني: طاقة المقل كما في قوله تعالى: {والذين لا يجدون إلا جهدهم}[التوبة: ٧٩]. فـ"الجهد" معناه: الطاقة، وأما "الجهد"- بالفتح-: فهو بمعنى المشقة، ومنه حديث الوحي:"غطني- يعني: جبريل- حتى بلغ مني الجهد" أي: المشقة، فالجهد بمعنى: الطاقة، و"المقل" الذي ليس عنده إلا مال قليل، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى أن صدقتك على أهلك صدقة: ولهذا قال: "ابدأ بمن تعول"، فإن إنفاقك على من تعول صدقة فإذا بدأت بمن تعول، وزاد على من تعول دخل في الحديث السابق:"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"، وبهذا يمكن الجمع بينه وبين الحديث السابق؛ لأن الحديث السابق يدل على أن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وهنا يدل على أن أفضل الصدقة ما كان جهد مقل.
فنقول: إذا بدأت بمن تعول صار الزائد- وإن كان من جهد المقل- عن ظهر غنى، وحينئذ لا يكون بينه وبين الأول منافاة، إذن الصدقة خيرها مما كان عن ظهر غنى مطلقا، ثم إن كان هذا المتصدق غنيًّا واسع الغنى، فإن الصدقة ممن دونه أفضل، لأنها جهده.