مثال ذلك: رجل عنده مليون درهم، وآخر عنده عشرة ريالات تصدق، صاحب العشرة بخمسة ريالات، وصاحب المليون بخمسة ريالات أيهما أفضل؟ صاحب العشرة أفضل من حيث النسبة؛ لأنه تصدّق بخمس من عشرة، فهو من حيث النسبة تصدَّق بنصف ماله، والذي تصدق بخمس من مليون تصدّق بنسبة ضئيلة جدًا؛ فلهذا صار الأول أفضل؛ لأن الخمسة أشقّ عليه من مشقة الخمسة على صاحب المليون؛ لأنها نصف ماله بخلاف صاحب المليون.
قد يقول قائل: إن سماحة صاحب الخمسة من عشرة تكون أحيانًا أكبر من سماحة صاحب الخمسة من مليون، إذا كان صاحب المليون بخيلًا عثر بحجر فتقطعت النعلة فانجرح قدمه جرحًا عظيمًا، فقال [كلمة معناها أن] الجرح الذي في رجله أهون عليه من الجرح الذي في نعلته، إذا كان صاحب المليون من هذا الطراز فإن الخمسة من المليون بالنسبة إليه أشقّ من خمسة من عشرة بالنسبة للأول، لكن الأخلاق النفسية الغريزية هذه ما علينا منها الكلام على الواقع، فإننا نقول: خمسة من عشرة أفضل من خمسة من مليون، بل ومن مائة؛ إذن هذا معنى قوله:"جهد المقلة" ولكن الكل عن ظهر غنى؛ لأنه قال:"وابدأ بمن تعول".
في هذا الحديث من الفوائد حرص الصحابة على العلم؛ لأنهم- رضي الله عنهم- يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم والسؤال عن العلم دليل على الرغبة فيه؛ ولهذا قيل لابن عباس رضي الله عنه: بم أدركت العلم؟ قال:"أدركت العلم بلسان سئول، وقلب عقول، وبدن غير ملول"، "لسان سئولا" حتى إنه رضي الله عنه يأتي إلى الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبلغه أن عنده حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيأتيه في القائلة فيضع رداءه على عتبة الباب وينام حتى يقوم صاحب البيت فيسأله عن الحديث، هل منا أحد يفعل ذلك؟ حتى إن الرجل يقول: يا ابن عم رسول الله، كيف تفعل هذا؟ فيقول: أنا طالب العلم، وطالب العلم يدل نفسه لا للعالم لأنه عالم، ولكن لأجل العلم، الصحابة كانوا يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن هل سؤالهم لمجرد العلم أو للعلم الذي يراد به التطبيق؟ الثاني، وهذه هي ثمرة العلم، ثمرة العلم أن نطبق، فإن لم نطبق صار علمنا كلًا علم بل أشد من الذي لا علم عنده؛ لأن هذا حمّل شيئًا فلم يحمله، كمثل الحمار يحمل أسفارًا، إذن عندما نأتي للعلماء ونسألهم ينبغي لنا أن نسألهم لا لأجل أن نعلم فتكون علومنا نظرية، بل لأجل أن نعلم فتكون علومنا نظرية تطبيقية، وقد كان الصحابة لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل، ونحن نحمد الله عز وجل أننا اليوم نرى شبابًا يطبقون ما علموا في صلاتهم وفي جميع