نقول:"كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي"، والخُلق: هو الصورة الباطنة، كم من إنسان جميل الخلقة من أحسن الناس لكن خلقه سيئ، فيغطي سوء خلقه محاسن خلقته، وكم من إنسان دميم الخلقة ولكنه حسن الخلق، فيغطي حسن خلقه دمامة خلقته، فإذا اجتمع الأمران صار هذا خيراً، لكن على كل حال: قل: اللهم كما أحسنت خَلقي فحسن خُلقي.
ففي هذا الحديث فوائد منها: جواز التوسل بأفعال الله عز وجل لقوله: "كما حسنت خلقي فحسن خلقي" كقوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم"، والتوسل إلى الله بأفعاله توسل شرعي.
ومن فوائد الحديث: الثناء على الله عز وجل، والاعتراف له بالنعمة بتحسين الخلقة.
ومن فوائده: حث الإنسان على سؤال الله تعالى أن يحسن خلقه؛ لأنه إذا حسن الله خلقه استراح واطمأن، وصار دائماً في رضا لا يغضب، وإذا غضب فهو سريع القيئة، ولا يعيش في وجه أحد تجده دائماً راضياً مرضياً عنه.
* * * *
[٦ - باب الذكر والدعاء]
لما انتهى رحمه الله من ذكر الأخلاق ومحاسنها ومساوئها، ثم ختم كتابه بهذا العنوان العظيم الذكر والدعاء.
[حقيقة الذكر وأنواعه]
الذكر باللسان بكسر الذال وبالقلب بضم الذال، فإذا كان بمعنى التذكر فهو بضم الذال نقول: نسيت فلاناً بعد الذكر هذا ذكر القلب، ولا تقول: بعد الذكر؛ لأن الذكر هو قول الإنسان كما ذكره أهل اللغة، وقيل: إنه يجوز الكسر في المعنيين جميعاً؛ يعني: يجوز أن تجعل ذكر القلب وذكر اللسان بالكسر، أما ذكر اللسان فلا يقال بالضم، فصار عندنا ذكر اللسان بالكسر، وذكر القلب بالضم، هذا هو الأفصح، وبعض علماء اللغة يقول: لا يجوز غيره، ولكن بعضهم قال: إنه يجوز الكسر، وما المراد بالذكر؟ المراد به ذكر الله عز وجل، ثم اعلم أن ذكر الله تعالى يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بالجوارح، إذن متعلقاته ثلاثة: القلب، واللسان، والجوارح، وأهمها ذكر القلب، ولهذا قال الله تعالى:{ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا}[الكهف: ٢٨]. ولم يقل: من أغفلنا لسانه أو جوارحه، بل قال:{قلبه}، ولذلك يكون الذكر باللسان والجوارح دون القلب قشوراً بلا لب، تجد الإنسان لا يزداد به إيماناً ولا ينتفع به ذلك الانتفاع، لكن إذا اجتمع ذكر القلب واللسان والجوارح هذا أعلى الذكر، فعليك أن تذكر الله دائماً بقلبك، واحرص على أن يكون قلبك حاضراً عند الذكر باللسان والجوارح، الذكر باللسان: