٤٧٩ - وعن عائشة رضي الله عنها:"أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في صلاة الكسوف بقراءته، فصلى أربع ركعات في ركعتين، وأربع سجداتٍ". متفق عليه، وهذا لفظ مسلمٍ.
- وفي رواية له:"فبعث مناديًا ينادي: الصلاة جامعة".
نقول: إن الرسول جهر في صلاة الكسوف بقراءته مع أن الكسوف كان بالنهار فيما ارتفعت الشمس قدر رمح ظهر كسوفها ففزع الناس وصلوا فجهر بالقراءة- عليه الصلاة والسلام-، وهكذا كل الصلوات النهارية التي يجتمع الناس عليها فإنه يجهر فيها بالقراءة تحقيقًا للاتفاق والإلفة؛ لأن الناس إذا اجتمعوا على قراءة الإمام صار تيقظهم أبين وأظهر من كون كل واحد يقرأ لنفسه، تأمل ذلك في صلاة الجمعة؛ لأن الناس يجتمعون فيها، وفي صلاة العيدين؛ لأن الناس يجتمعون فيها، كذلك في صلاة الكسوف؛ لأن الناس اجتمعوا فيها، والمشهور في صلاة الكسوف أن تصلى في مكان واحد كالجمعة هذا هو المشهور، وهو الأفضل، وأما فعل الناس اليوم وكونهم يصلون في كل مسجد فعلى سبيل التيسير، وإلا فالمشهور أن يحضروا للمساجد الجوامع كما فعل النبي- عليه الصلاة والسلام- فإنه جمع الناس في مسجد واحد؛ ولهذا قال أهل العلم: إنه يستحب أن تصلى الكسوف في المسجد الجامع؛ يعني: دون غيره من المساجد.
وأقول الآن إذا قال قائل: ما السبب في أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- يجهر فيها وهي نهارية؟ قلنا: لأنها صلاة ذات جمع، وكل صلاة نهارية ذات جمع فإنه يجهر فيها بالقراءة. لماذا نعتبر ذلك؟ لصلاة الجمعة والعيدين، الاستسقاء تابع للعيدين، أما الجهر في صلاة الليل فله سبب آخر غير الاجتماع؛ لأن الناس يصلون في مساجدهم، سببه- والله أعلم- أن ذلك أقرب إلى الخشوع؛ لأن الإمام يجهر، ولاسيما إذا كان حسن الصوت والأداء اجتمع الناس عليه وصار خشوعهم أكثر؛ ولأن في الجهر ضربًا لما عسى أن يكون من النعاس والنوم.
قالت:"جهر في صلاة الكسوف ثم صلى أربع ركعات في ركعتين" قد يقال: هذا شبه تنافر، كيف هذا؟ لأن أربع ركعات لا يمكن أن تحسب ركعتين؛ لكن يتبين في هذا الحديث وبما يأتي من الأحاديث أن المراد بالركعة هنا: الركوع وليس الركعة الكاملة، فيفرق بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وسلم:"من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة". فإن قوله:"من أدرك ركعة" ليس المراد به من أدرك ركوعًا، بل المراد: من أدرك ركعة كاملة بسجدتيها فقد أدرك الصلاة، قد