للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإنها صلاة لتهديد وإنذار، فلو تركت لكان ذلك عنوانًا على عدم المبالاة بإنذار الله وتخويفه، وهذا أمر ليس بالهين أن الله ينذرنا ونقول: ما يهم، وذهب كل واحد إلى عمله ولا يهتم، فهذا مظهر غير لائق أن الرب العظيم يخوفك ونبيه يأمرك، ثم تدع هذا كأنك غير مبالٍ لا بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا بتخويف الله.

وأما القائلون بأنها فرض كفاية فقالوا: إنه لا يظهر أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- أمر كل أحد، وأن الناس كلهم حضروا إلى الرسول- عليه الصلاة والسلام-، وأننا نلزم جميع المسلمين بأن يصلوا بل إذا حصل المظهر العام للمسلمين وأنهم قاموا بما ينبغي أن يقوموا به من الإنابة إلى الله عز وجل، والرجوع إليه فإن هذا كافٍ، وأنا متردد بين كونها فرض كفاية، أو فرض عين، أما الاقتصار على أنها سنة فقط فهذا ضعيف وإن كان جمهور أهل العلم على ذلك، لكن كيف تدفع أمر الرسول- عليه الصلاة والسلام- وقوله: "صلوا حتى ينكشف ما بكم وينجلي"، وقوله: "يخوف الله بهما عباده" وأمثال ذلك هذه أمور عظيمة ولا مدفع للجمهور لذلك إلا بحديث الأعرابي، وهو: "هل علي غيرها. قال: لا، إلا أن تطوع"، وقد سبق لنا غير مرة أن هذا لا يمكن أن يستدل به على عدم وجوب الصلاة المقرونة بسبب؛ لأن المراد بالحديث: الصلوات الخمس اليومية المتكررة، بدليل أن الإنسان لو نذر أن يصلي ركعتين لكانت الصلاة واجبة بالنص والإجماع مع أنها غير الصلوات الخمس، فكذلك الصلوات الشرعية التي لم تجب بنذر لكن لها أسباب أخر علقها الشارع بها.

ومن فوائد الحديث: استمرار الصلاة والدعاء حتى ينكشف لقوله: "حتى تنكشف"، "حتى تنجلي"، ونحن في الشرح قلنا: "حتى" هنا للغاية أو للتعليل؟ قلنا: إذا كان للغاية فإنها تدل على استمرار ذلك للانجلاء، وإذا كانت للتعليل فإنه يكفي أن يصلي ويقول: عن الرسول- عليه الصلاة والسلام- قال: "صلوا لأجل أن تنجلي"، فإذا صلينا فعلنا السبب، والانجلاء عند الله عز وجل، وعلى هذا فإذا صلينا ورأينا الكسوف بدأن ينجلي نقف لأن العلة انتهت، ولكن المشهور عند أهل العلم أنها للغاية، يعني: "صلوا وادعوا إلى كذا" إلا أنهم قالوا: إنها لا تعاد مرة أخرى على صفتها، ولكن لا حرج إذا انقضت الصلاة من أن تصلى تطوعًا على صفة التطوع المعهود.

ومن فوائد الحديث: أن الكسوف غمة على العباد؛ ولهذا قال: "حتى تنجلي" وفي لفظ آخر: "وحتى ينكشف ما بكم" فهو غمة؛ لأنه ما دام تخويفًا من الله عز وجل فإنه يخشى أن يقع العذاب، وهذا لا نأمنه إلا إذا انجلى.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>