٥٤٠ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى على جنازةٍ يقول: اللهمَّ اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهمَّ من أحييته منَّا فأحيه على الإسلام، ومن توفَّيته منَّا فتوفَّه على الإيمان، اللهمَّ لا تحرمنا أجره، ولا تضلَّنا بعده". رواه مسلمٌ والأربعة.
تقدم لنا أن "كان" تفيد الاستمرار غالبًا لا دائمًا، يقول:"اللهم اغفر لحينا"، الضمير يعود على المسلمين لا على الأمة جميعها؛ لأنه لا يجوز أن يدعى للكافر ولو كان عربيًا، "وميتنا" أي: من مات من قبل، وشاهدنا الحاضر، و"غائبنا" من ليس بحاضر، و"صغيرنا" من لم يبلغ، "وكبيرنا" من بلغ، "وذكرنا وأنثانا" متقابلان، وكان يغني عن ذلك قوله: اللهم اغفر لنا لحينا وميتنا"؛ لأن الحي يشمل الحاضر والغائب، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، ولكن مقام الدعاء ينبغي فيه البسط، قال: "ذكرنا وأنثانا"، ولم يذكر صنفًا ثالثًا يذكره العلماء وهو الخنثى المشكل؛ لأن هذا نادر جدًا، وهو إما ذكر أو أنثى أو ذكر وأنثى جميعًا، ثم هو من المسائل النادرة في بني آدم.
قال: "اللهم من أحييته"، "من" شرطية، وفعل الشرط "أحييت" وجوابه: "فأحيه"، أي: فاجعله "على الإسلام"، "ومن توفيته" بمعنى: قبضته، والوفاة تطلق على الوفاة التي هي مفارقة الروح للبدن بالموت، وتطلق على الوفاة التي هي مفارقة الروح للبدن بالنوم، قال الله تعالى:{وهو الذَّي يتوفَّاكم بالَّيل}[الأنعام: ٦٠].
وقال عز وجل:{الله يتوفى الأنفس حين موتها والَّتي لم تمت في منامها فيمسك الَّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى}[الزمر: ٤٢]. ولكن المراد هنا بالوفاة: الموت.
وقوله: "على الإيمان" أي: الإيمان في القلب والإسلام في الجوارح؛ لماذا خص الإيمان بحال الموت والإسلام بحال الحياة؟ قال بعض أهل العلم: إنه اختلاف عبارة وتفنن في التعبير، وإلا فالإسلام والإيمان شيء واحد، فيكون معنى قوله: "أحييته على الإسلام" أي: أحييته على الإيمان، "وتوفيته على الإيمان" أي: على الإسلام فهما شيء واحد، ولكن هذا القول ضعيف؛ لأن من تتبع النصوص تبين له أن الإسلام هو الإيمان عند الانفراد كما قال تعالى: {ورضيت