[مشروعية الاستسقاء في الأمم السابقة]
٤٩٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "خرج سليمان عليه السلام يستسقي، فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعةً قوائمها إلى السماء تقول: اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن سقياك، فقال: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم". رواه أحمد وصححه الحاكم.
هذا الحديث فيه آيات من آيات الله، سليمان هو ابن داود أحد أنبياء بني إسرائيل، هل هو قبل موسى أم بعده؟ بعد موسى.
قوله: "يستسقي" أي: يطلب السقيا من الله، "فرأى نملة" رؤية بصرية، "مستلقية" صفة لنملة، والنملة واحدة النمل، وهو معروف وهو معروف ويقال: إنه من أحكم الحشرات في قوته، وإنه يجمع القوت في وقت لا يستطيع فيه أن يخرج إلى سطح الأرض في أيام الشتاء، وأنه إذا جمع القوت أكل رءوس الحب- حب البر- لأجل ألا ينبت؛ لأنه إذا نبت فسد، فإذا جاء المطر ورأى أن البلل سيصل إلى الحب أو وصل إليه بالفعل أخرجه ونشره في الشمس حتى ييبس وبرده لئلا يعطن شيء عجيب.
سأل سائل فقال: ما تقولون لو وجدت النمل ناشرًا حبه هل يجوز أن آخره؟ في الحقيقة لها قوت آخر، ولكن التغذي على قوت الغير مشكلة.
يقول: "مستلقية على ظهرها"، كيف؟ قال: "رافعة قوائمها إلى السماء"؛ لأنها تعلم أن الله في السماء، تقول: "اللهم إنا خلق من خلقك" هذا اعتراف منها بربوبية الله عز وجل، وأنها مخلوقة، وأنها فرد من هذا الخلق العظيم، "ليس بنا غنًى عن سقياك" وهذا اعتراف بافتقارها إلى الله عز وجل، وأنها تحتاج إلى السقيا لأجل أن تنبت الأرض، فإذا نبتت أخذت من أشجارها وحبوبها.
فقال سليمان عليه السلام: "ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم"، يقول لأصحابه الذين معه، ما المراد بالغير؟ دعوة هذه النملة، والباء هنا للسببية، أي: سقيتم بسبب دعوة غيركم.
فيستفاد من هذا الحديث عدة فوائد:
أولًا: ثبوت رسالة الرسول- عليه الصلاة والسلام-، وجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ولا يكتب حتى يمكن أن يقول: أنه تلقى ذلك من بني إسرائيل، ومثل هذا لا يصل إليه الخبر إلا عن طريق الوحي.
ومنها: أن الدعاء لطلب السقيا كان معروفا في الشرائع السابقة؛ لقوله: "خرج يستسقي"، ولكن لا يلزم أن يكون على صفة الصلاة في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، المهم: أنهم يذهبون إلى خارج البلد يستسقون.
ومنها: أن البهائم تعرف خالقها؛ لأن هذه النملة كانت مستلقية رافعة قوائمها إلى السماء.