ومنها: إثبات علو الله بذاته، من أين يؤخذ؟ من كونها رافعة قوائمها إلى السماء، فالحشرات تقر بأن الله في السماء، وبعض بني آدم ينكرون أن الله في السماء نسأل الله العافية، والذين أنكروا علو الله انقسموا إلى قسمين، قسم قالوا: إن الله- سبحانه وتعالى- في ذاته في كل مكان من الأرض بر، وبحر، جو، أماكن معظمة، أماكن ممتهنة، أماكن نظيفة، أماكن قذرة، فالله عز وجل بذاته في هذه الأماكن، وهذا لا شك أنه قول باطل كما سبق لنا بيانه، وحتى العقل لا يقبله، لأنه يلزم منه إما التعدد أو التجزؤ، إما أن يكون الله متعددًا يكون في كل مكان أو متجزئًا في كل مكان، وهذا لا شك أنه باطل ولا يمكن أن يقبله عقل.
والطائفة الثانية التي ضلت في العلو قالت: إنه لا يجوز أن نقول: إن الله تعالى في العلو، بل يجب أن نعتقد بأن الله تعالى ليس فوق العالم ولا تحت العالم، ولا في العالم، ولا يمينًا ولا شمالًا، ولا متصلًا بالعالم، ولا منفصلًا عن العالم، كيف؟ لا يمكن هذا إلا أن يكون معدومًا؛ ولهذا قال بعض العلماء: لو قيل لنا: صفوا الله بالعدم ما وجدنا أدق من هذا الوصف؛ لأننا إذا قلنا: هذه الأوصاف السلبية في الله وأن هذا هو الواجب علينا نحو ربنا، فمعنى ذلك: أنه يجب أن نقول: لا رب.
وأما أهل السنة والجماعة الذين مشوا على طريقة السلف وعلى ما يقتضيه النص والعقل والفطرة فأجمعوا على أن الله تعالى بذاته فوق كل شيء، وأنه عز وجل لا يحصره مكان، فما فوق العالم عدم، والله- سبحانه وتعالى- في ذلك فوق، وحينئذ لا يكون في اعتقادنا هذا أي تنقص لله عز وجل، وقد سبق لنا أن شبهة القائلين بأنه ليس داخل العالم ولا خارج العالم، ولا متصلًا به ولا منفصلًا عنه ولا فوق ولا تحت ... إلخ. أن شبهتهم أنهم يقولون إذا قلنا: أن الله تعالى بذاته في السماء لزم أن يكون منحصرًا بشيء، ولكن هذا باطل؛ إذ لا يلزم أن يكون منحصرًا في شيء؛ لأنه ليس فوقه شيء، فكيف يكون منحصرًا هو فوق كل شيء- سبحانه وتعالى- ولا شيء يحصره، وهذه الشبهة التي شبهها أو التي ألقاها الشيطان في قلوبهم شبهة لا حقيقة لها، أما الذين قالوا: إن الله بذاته في كل مكان فإنهم استدلوا بآيات المعية مثل قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم}[الحديد: ٤].
وقوله تعالى:{ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلا هو رابعهم ولا خمسةٍ إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم}[المجادلة: ٧]. فظنوا أن المعية تستلزم الحلول والاختلاط، ولكنهم ضلوا في ذلك المعية لا تستلزم هذا الحلول الذي زعموه أبدًا، فإن القرآن نزل باللغة العربية، واللغة العربية لا تمنع أن يكون الشيء فوقك وبعيدًا عنك وعاليًا عنك وتقول: إنه معي، ففي اللغة العربية يقولون: إن القمر معنا وهو في السماء، والنجم الفلاني معنا وهو في السماء، ويقول القائد للجند مثلًا: اذهبوا إلى المعركة وأنا معكم، وهو في مكانه في غرفة القيادة، وهكذا المعية في اللغة العربية لا تستلزم الحلول والمخالفة والمجامعة أبدًا لكنها قد تقتضي ذلك؛ ولهذا فهي تستعمل