"لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم" الشديد هنا بمعنى القوي، ومنه قوله تعالى:{أشداء على الكفار}[الفتح: ٢٩]. أي: أقوياء، وقوله الله -تبارك وتعالى-: {وبنينا فوقكم سبعا شدادا}[النبأ: ١٢]. أي: قوياً، يعني: لا يؤخذ من قويهم للضعيف، والقوة هنا ليست بالمال فقط، قد تكون بالمال فقط، قد تكون بالجاه، قد تكون بالقرب من الحاكم، المهم: أن له قوة على هذا الضعيف، فإذا كان الحق لا يؤخذ من القوي للضعيف فإن هذا إيذان بهلاك الأمة وعدم طهارتها.
ففي هذا الحديث: التحذير العظيم -تحذير الأمة- من ألا يؤخذ الحق من القوي للضعيف والعكس كذلك، يعني: لو أن الإنسان رحم الضعيف وهم يحكم له بغير الحق نفس الشيء، لكنه لما كان الغالب أن القوي هو الذي يؤخذ حقه والضعيف لا يؤخذ قال هكذا، وإلا فحتى الضعيف أليس الله يقول:{يأيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا}[النساء: ١٣٥]. لأن الإنسان قد يجور في الشهادة لغنى المشهود عليه أو لفقره.
فمن فوائد الحديث: تحذير الأمة من ألا يؤخذ الحق من الشديد للضعيف والعكس كذلك، لكن الأول هو الغالب.
ومن فوائد الحديث: وجوب العدل بين كل أحد لقوله: "لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم".
[خطر القضاء وكبر مسئوليته]
١٣٣٥ - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يدعى بالقاضي العادل يوم القيامة، فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره». رواه ابن حيان وأخرجه البيهقي، ولفظه:"في تمرة".
"يدعى بالقاضي العادل" أي: يؤتى به، والقاضي: هو الحاكم بين الناس، والعادل: من لا يجوز في حكمه، و"يوم القيامة": هو الذي يقوم فيه الناس لله رب العالمين فيلقى هذا القاضي العادل الذي عدل في حكمه بحيث طبق حكمه على الشرع؛ لأن الشرع كله عدل وبحيث لم يمل مع أحد المتخاصمين، "فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين في عمره"، يعني: يحاسب على قضائه، وكيف حكمت لفلان، ولماذا لم تحكم لفلان؟ وكيف حكمت بالمال كله؟ ولماذا لم تحكم ببعضه؟ لاحتمال أن يكون قضى منه شيئا وما أشبه ذلك، وقوله:"ما يتمنى" التمني هو: أن يطلب الإنسان لنفسه ما في حصوله عسر أو تعذر.