على نفسه الفرصة العظيمة وهي: الدعاء والإلحاح في الدعاء على ربه- جلَّ وعلا-.
وعلى هذا فنقول: إن صوم يوم عرفة بعرفة للحاج [لا يجوز]، أما العمال الذين لم يحجوا فلا حرج أن يصوموا، لكن إذا كان حاجًّا فإنه لا يصوم ولا يتعبد بالصوم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصم، وأعلن عدم صومه من أجل أن تقتدي الأمة به، فإن صح هذا النهي الذي في حديث أبي هريرة كان مؤكدًا لترك الصوم وإن لم يصح، فإن فعل النبي صلى الله عليه وسلم وإعلانه الإفطار في هذا اليوم مع أنه رغب في صوم يوم عرفة يدل على أن صومه غير مرغوب لديه صلى الله عليه وسلم.
فإن قال قائل: قد يكون هذا خاصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، ونحمل الحديث الآن "صوم يوم عرفة يكفر السَّنة التي قبله والتي بعده" نحمله على العموم، ويكون هذا خاصًا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
قلنا: لو كان خاصًا بالرسول صلى الله عليه وسلم ما أعلنه وأظهره؛ لأن إعلانه وإظهاره يقتضي الاقتداء به والتأسي به، وهذا يدل على أنه ليس خاصًا به، ثم نقول: الأصل عدم الخصوصية حتى يقوم دليل على ذلك، ثم نقول: إن صبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأكل والشرب مع ابتهاله إلى الله والتضرع إليه أقوى منا بلا شك، ولهذا كان يواصل وينهى عن الوصال، فكيف يكون المشروع في حقه أن يفطر وهو أقوى منا وأصبر وأشد رغبة ورهبة إلى الله عز وجل ويكو المستحب أو الاستحباب عامًّا لأمته؟ فالمهم: أن القول بأنه خاص قول ضعيف.
[النهي عن صوم الدهر]
٦٦١ - وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا صام من صام الأبد". متَّفقٌ عليه.
٦٦٢ - ولمسلم عن أبي قتادة بلفظ:"لا صام ولا أفطر".
"لا صام من صام الأبد"، "لا" نافية، وهل هي باقية على النفي أو هي بمعنى: الدعاء، يعني: هل الرسول صلى الله عليه وسلم يخبر أن من صام الأبد فإنه لم يصم الأبد بمعنى: أنه لم يحصل له ثواب صوم الأبد فيكون لا صام شرعًا من صام الأبد حسَّا فيكون الحديث نفيا، أو هو دعاء عليه؟ بمعنى: لا صام، أي: لا أعانه الله على الصوم، بل عجز عنه حتى لا يصوم يحتمل، ولكن المعنى الأول أقرب؛ لأن الأصل في النفي أنه على حقيقته للنفي، ثم إنه يبعد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو على شخص، فعل هذا الفعل يريد التعبد لله عز وجل، فالظاهر: أن الصواب في هذا المعنى: أنه نفي للصوم شرعًا لمن صام الدهر حسَّا؛ لأن صائم الدهر ماذا يريد؟ يريد الثواب، أي: يثاب على