ومن فوائده: الحفاظ على أعراض المسلمين وعلى اعتباراتهم، وأنه لا يجوز أن نخدشها إلَّا إذا قامت البينة الواضحة التي ليس فيها شبهة.
[وجوب إقامة حد الزنا عند ثبوته]
١١٧٥ - وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتنبوا هذه القاذورات الَّتي نهى الله تعالى عنها، فمن ألمَّ بها فليستتر بستر الله تعالى، وليتب إلى الله تعالى، فإنَّه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله عز وجل". رواه الحاكم، وهو في الموطَّأ من مراسيل زيد بن أسلم.
قوله:"ورواه الحاكم"، الحاكم معروف رحمه الله بالتساهل في الرواية وبالتساهل في التصحيح، وأما الموطأ فيقول: إنه من مراسيل زيد بن أسلم، والمرسل - كما تعرفون - من أقسام الضعيف، ولكن لننظر هل معنى هذا الحديث صحيح بقطع النظر عن كونه مرفوعًا أو غير مرفوع.
"اجتنبوا هذه القاذورات" هي: جمع قاذورة، وهي كل ما يستقذر ويستقبح، ولا شك أن المعاصي عند أرباب العقول السليمة والإيمان القوي لا شك مستقذرة، ولهذا سمى الزنا خبثًا، واللواط خبثًا، فقال الله - تبارك وتعالى - في لوط:{ونجَّيناه من القرية الَّتي كانت تعمل الخبائث}. مع أن هذه الخبيثة عند قوم طيبة لا يستنكرونها والعياذ بالله، كذلك الزنا يسمى خبيثًا، ومنه حديث الرويجل الذي خبث في جارية، ومنه قوله تعالى:{الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات}[النور: ٢٦]. فهذه قاذورات مستقذرة عند كل ذي طبع سليم ودين قويم؛ ولهذا قال:"التي نهي الله تعالى عنها" وهذه الصفة بيان للواقع وليست صفة مقيدة؛ لأن القاذورات كلها نهي الله عنها فليست القاذورات قسمين منهي عنه وغير منهي بل كلها منهي عنها، إذن فالصفة هنا بيان للواقع، وقوله:"ألم بها"، أي: أصاب منها؛ لأن اللمم هو الشيء اليسير كما قال تعالى:{الَّذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلَّا اللَّمم}[النجم: ٣٢]. إما أنه يسير بممارسته بحيث لا يفعلون الكبيرة إلَّا مرة واحدة، أو {إلَّا اللَّمم} الذنب الصغير على خلاف بين العلماء، الشاهد "ألمّ بها" يعني: أصاب منها، فليستتر بستر الله، فإن الله - سبحانه وتعالى - يستر على من شاء من عباده، ولكن إذا أصر الإنسان على المعصية كشفه الله - والعياذ بالله - لا بد أن تظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه، أما إذا فعلها مرة فقد يستر الله عليه، ويذكر أن بنى إسرائيل كان الواحد منهم إذا أصاب ذنبا وجد هذا الذنب مكتوبًا على بابه، فضيحة - والعياذ بالله - لهم ولكننا - ولله الحمد - لا يوجد هذا في هذه الأمة، فإذا كان الله قد ستر عليك فاستتر، لا تصبح تتحدث بأني فعلت كذا، وفعلت كذا، فإن هذه من المجاهرة، وكل هذه الأمة معافى إلَّا المجاهرين