يلزمه جزاءان؛ لأنه انتهك حرمتين: حرمة الحرم وحرمة الإحرام، وقال بعض العلماء: والمذهب لا يلزمه إلا جزاء واحد؛ لأنه انتهك حرمتين في محرم واحد وهو الصيد، وأيضًا لو ألزمنا المحرم جزاءين لم نكن ألزمنا بالمثل؛ لأنه قتل واحدًا وألزمناه باثنين، والله تعالى يقول:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ}[المائدة: ٩٥]. وكما أن المثلية تكون في الصفة كذلك في العدد كقوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}[الطلاق: ١٢]. ثم قال:
[تحريم المدينة]
٧٠٥ - وعن عبد الله بن زيد بن عاصم رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن إبراهيم حرم مكة ودها لأهلها، وإنِّي حرَّمت المدينة كما حرَّم إبراهيم مكَّة، وإنِّي دعوت في صاعها ومدِّها بمثل ما دعا إبراهيم لأهل مكَّة" متفق عليه.
٧٠٦ - وعن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المدينة حرام ما بين عبر إلى ثور" رواه مسلم.
هذان الحديثان يتعلقان أيضًا بالحرم ولا علاقة لهما بالإحرام، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن إبراهيم حرّم مكة"، وثبت في حديث الصحيحين أيضًا أن الله هو الذي حرّم مكة، ولا تعارض بين الحديثين؛ لأن المحرم هو الله وإبراهيم مبلغ، فنسب التحريم إلى إبراهيم باعتبار التبليغ، ونسب إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه منشئ الأحكام، فيكون الله هو الذي حرمها وإبراهيم بلغ التحريم وأظهره، ويقول:"إنه دعا لأهلها بالبركة"، وذلك في قوله تعالى:{رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ}[البقرة: ١٢٦]. {وَمَنْ كَفَرَ} هذه معطوفة على {مَنْ آَمَنَ}، {وَمَنْ كَفَرَ} فيكون الله عز وجل أعطى إبراهيم أكثر مما سأل، لأن إبراهيم قال:{وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}، فقال الله تعالى {وَمَنْ كَفَرَ}، أتدرون لماذا قال إبراهيم {مَنْ آَمَنَ}؟ تأدبًا مع الله؛ لأنه قال قبل ذلك:{قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[البقرة: ١٢٤]. يعني: أن الله أعطاه عهده لكن استثنى الظالمين من ذريته فتأدّب في الدعوة الثانية مع الله وقال: {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ}، ولكن الله عز وجل عمم؛ ففي الأولى الله خصص دعاءه، وفي الثانية عمم وأعطاه أكثر مما سأل، قال الله:{وَمَنْ كَفَرَ} لكن من كفر قال: {فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}، نسأل الله العافية، المهم: أن إبراهيم دعا لأهل مكة، ونبينا صلى الله عليه وسلم دعا لأهل المدينة بمثل ما دعا به إبراهيم.