للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الحديث هل نقول: أنه يؤخذ منه أنه يستحب أن يقرأ بسورة الطور، أو نقول: أحيانًا؟

الجواب: أحيانًا؛ لأن السورة التي لم يلازم عليها النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون مشروعة بعينها، مجرد أنه فعلها مرة أو سمعت منه مرة لا يدل على أنها مقصودة بعينها، وقد أشار إلى هذه القاعدة ابن دقيق العيد في "شرح العمدة" وشرحه في الحقيقة شرحًا قويًا متينًا يستفيد منه طالب العلم المرتفع قليلًا انتفاعًا عظيمًا، ولذلك تجد أهل العلم يكثرون النقل عنه، عنده قدرة على صيغ القواعد والاستدلال بالأمور العقلية، فيقول: إذا كانت السورة يلازمها النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: إنها سنة بعينها كما نقول في سبح والغاشية في الجمعة، وفي العيد، وفي {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة، أما إذا كان يقرؤها مرة، فنقول: من السنة ان تقرأها مرة، وهذا القول قول تطمئن له النفس، ولهذا لا نقول للناس: اقرءوا في صلاة المغرب بسورة الطور، بل نقول: نعم اقرأ لها أحيانًا.

ومن فوائد هذا الحديث: أنه لا بأس أن يخرج الإنسان عن القاعدة العامة في صلاة المغرب وفي القراءة بقصار المفصل، فإن سورة الطور من طوال المفصل كما لا يخفى.

[صفة القراءة في فجر الجمعة]

٢٧٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة: {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة، و {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ} [الإنسان: ١]. متفق عليه.

"كان يقرأ" سبق لنا أن "كان" تفيد الدوام غالبًا لا دائمًا، "يقرأ في صلاة الفجر يوم الجمعة {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة وهي معروفة يقرؤها كاملة ويسجد فيها، ويقرأ في الركعة الثانية {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ، والسورتان بينهما تشابه من حيث الموضوع لا من حيث الكثرة أو القلة؛ لأن بينهما فرقًا بينًا، لكن موضوعهما متقارب.

الحكمة من قراءة {الّم (١) تَنزِيلُ} السجدة: هي أن فيها مبدأ الإنسان ومنتهاه، والثواب والعقاب، ويوم الجمعة فيه مبدأ الخلق، وفيه قيام الساعة؛ يعني: فيه المبدأ والمنتهى، فكان من المناسب أن يذكر الناس بهذا في أول اليوم، وأول صلاة في الجمعة هي صلاة الفجر هذا هو السبب في قراءة هاتين السورتين، كذلك سورة الإنسان فيها ذكر المبدأ والمعاد، والثواب والعقاب، {هَلْ أَتَى عَلَى الإنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: ١]. {هَلْ} حرف استفهام لكنها ليست للاستفهام بل للتقرير؛ يعني: قد أتى على الإنسان حين من الدهر {لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} قبل أن يولد الإنسان ليس شيئًا، ثم ولد وخلق من أمشاج، ثم جعل له السمع والبصر، ثم هدي السبيل سواء كان كافرًا أو شاكرًا {إنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إمَّا شَاكِرًا وإمَّا كَفُورًا (٣)} [الإنسان: ٣]. هذا التفصيل تفصيل للضمير الهاء في {إنَّا هَدَيْنَاهُ} يعني: أن الله هداه السبيل سواء كان شاكرًا أو كفورًا بين

<<  <  ج: ص:  >  >>