للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل على من تعمد الفطر كفارة؟]

فيه بحث آخر لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل قضاء ذلك اليوم، فهل نقول: إنه لا قضاء عليه؛ لأنه قد تعمد الفطر؟ نقول: ذهب إلى هذا بعض العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية قال: من تعمد الفطر في نهار رمضان فلا قضاء عليه، ومعنى: لا قضاء عليه، أنه لا يقبل منه القضاء، فعليه أن يتوب عن الفطر وعن الصوم، وقال رحمه الله: إن أمر المجامع بالقضاء ضعيف؛ لأنه ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "صم يومًا مكانه"، لكن هذا الحديث يقول سيخ الإسلام: إنه ضعيف، نحن نقول: عدم ذكر الصوم هنا إما أن يخرَّج على ما خرجه عليه شيخ الإسلام وهو أن المتعمد لا يقضي؛ لأنه غير معذور، هذا واحد، وهذا فيه نظر؛ لأن القول الراجح أن الإنسان إذا شرع في الصوم لزمه وصار في حقه كالنذر؛ لأنه يبتدئ به معتقدًا لزومه ووجوبه عليه فهو كالناذر، والنذر يجب الوفاء به ولو أفسده صاحبه، وعلى هذا فنقول: إذا شرع في الصوم ثم أفطر متعمدًا فهو آثم وعليه القضاء، أما إذا لم يشرع في الصوم أصلًا تعمد أن يفطر هذا اليوم من قبل الفجر، فالصحيح: أنه لا قضاء، بمعنى: لا ينفعه القضاء؛ لأنه تعمد تأجيل العبادة عن وقتها بدون عذر، وكل عبادة مؤقتة إذا تعمد الإنسان تأجيلها أو تأخيرها عن وقتها فإنها لا تقبل منه. إذن هل هناك وجه آخر؟ نعم، ما هو؟ قال بعض العلماء: لم يوجب عليه قضاء الصوم؛ لأنه أوجب الكفارة فكانت الكفارة كفارة عن هذا اليوم وعن الجماع، فهما ذنبان دخل أحدهما في الآخر وصارت الكفارة لهما جميعًا؛ لأن الكفارة للأمرين للوطء والفطر، وعلى هذا فيكتفي بها عن الصوم، هذا جواب ثانٍ.

وجواب ثالث: قالوا لم يذكر وجوب الصوم عليه؛ لأن هذا أمر معلوم أن من أفطر يومًا فعليه قضاؤه، وما كان أمرًا معلومًا فإنه لا حاجة إلى التنصيص عليه؛ لأن الرجل هو نفسه قد أقر بأنه هلك، فكان مقتضى الحال أن يكون ملتزمًا بقضاء هذا اليوم.

ويوجد مناقشة ثانية: هل في الحديث دليل على أن الجماع مفسد للصوم موجب للكفارة، سواء كان الإنسان عالمًا أو جاهلًا أو ذاكرًا أو ناسيًا؟ قال بعض العلماء: فيه دليل؛ لأن الرسول لم يستفصل هل عليه قضاء أم لا؟

حكم الجماع ناسيًا أو جاهلًا:

وهل لو جامع الإنسان وهو جاهل يفسد صومه أو لا؟ نقول: إن ظاهر الحديث وهو قوله: "هلكت" يدل على أن الرجل كان عالمًا بذلك؛ لأنه لا هلاك إلا مع علم، ولكن قد يقول قائل:

<<  <  ج: ص:  >  >>