قال آخرون: إن النهي هنا ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة؛ لأن الأشياء لا تنجس بمجرد الظن، ولكن الصواب أن معنى قوله:"لا يدري أين باتت يده": أنه ربما يكون الشيطان قد عبث بها وأدخل فيها الأوساخ والأقذار وهو لا يعلم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن فيه إثبات نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذا لا يعلم بالحس وإنما يعلم بالوحي؛ إذ إن هذا حال الإنسان وهو نائم لا يعلم أحد ما يحدث له.
ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ذكر الحكم مقرونا بالعلة.
ومنها: سلوك جانب الاحتياط لقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده" بخلاف الأول، فإن الأول يقول:"فإن الشيطان يبيت على خيشومه" ففيه الجزم بأن الشيطان يبيت على خيشومه، أما هذا فيقول:"فإنه لا يدري أين باتت يده" ففيه إيماء إلى سلوك جانب الاحتياط، وأن الإنسان ينبغي له أن يبتعد عما يحتمل أن يكون فيه مضرة عليه، فإن غمس يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا فهل يتغير الماء أو لا يتغير أو يأثم أو لا يأثم؟
إذا قلنا: إن النهي للتحريم فهو آثم، وإذا قلنا للكراهة فليس بآثم، أما الماء فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض له، فالصواب أنه يكون طهورا وأنه لا يتأثر بنجاسة، ولا يتأثر بانتقاله من طهورية إلى طاهر، بل الأصح أنه ليس هناك قسم يسمى طاهرا.
[وجوب المضمضة والاستنشاق]
٣٥ - وعن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائما".
- أخرجه الأربعة، وصححه ابن خزيمة.
"أسبغ الوضوء"، يعني: أشمل به جميع الأعضاء التي أمر بها؛ لأن الإسباغ معناه: الشمول كما قال الله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظهرة وباطنة}[لقمان: ٢٠]. وعلى هذا فهو إشارة إلى الكيفية لا إلى الكمية، أي: فلا يدخل تكرار غسل ما يشرع تكرار غسله، وإنما المراد: التعميم، فإذا كان المراد التعميم كان الأمر هنا للوجوب، وإذا كان يشمل التعميم ويشمل الكمية صار الأمر هنا مشتركا بين الوجوب والاستحباب، وقوله:"الوضوء" الضوء هو: تطهير الأعضاء الأربعة على صفة مخصوصة.
"وخلل هذه الأصابع" خلل بينها، أي: أدخل أصابعك بين الأصابع، وهل المراد أصابع اليد