وعنه - يعني: أبي هريرة أيضا رضي الله عنه-: "إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
الجملة الأولى في هذا الحديث مطابقة تماما للجملة الأولى في الحديث الذي سبقه، لكن ما بعدها يخالفهما؛ في الحديث الأول فيه الأمر، والحديث الثاني فيه النهي:"فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا" يعني: حتى يغسلها بعد النوم ثلاثا، أي: ثلاث مرات.
"فإنه لا يدري أين باتت يده". متفق عليه، وهذا لفظ مسلم، فإنه - أي: المستيقظ- لا يدري أين باتت يده، وقوله:"لا يدري" أي: لا يعلم أين باتت يده، من المعلوم أن النبي - عليه الصلاة والسلام- لا يريد: لا يعلم أباتت معه في الفراش أو باتت في مكان منفصل لا يريد هذا إطلاقا، لكن يريد: لا يعلم أين باتت يد من حيث التصرف والعمل، فقد تكون حركت إلى أماكن قذرة أما ما أشبه ذلك. هذا قول بعض العلماء، ولذلك سيأتي أنهم يقولون: إنه إذا باتت يده في جراب أو نحوه مما يتيقن الإنسان أنها لم تصب شيئا نجسا؛ فإنه لا يدخل في هذا الحديث، وقيل:"لا يدري أين باتت يده" من الناحية الغيبية، وهو أنه ربما يكون الشيطان قد عبث بيده في منامه، كما أنه يبيت على خيشومه يبيت على يده ويلوثها بأقذار أو أنجاس تؤثر في الإنسان، وهذا الأخير هو الأقرب.
على هذا نستفيد من هذا الحديث فوائد منها: أن الإنسان إذا استيقظ من النوم فإنه لا يجوز أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا للنهي، والأصل في النهي التحريم.
ومنها: هل يجوز أن يغمس بعضها لقوله: "فلا يغمس يده"؟ لا؛ لأن الأصل فيما أضيف إلى اليد أن يكون عاما لها، واليد إذا أطلقت فإنها إلى الكف، وإذا قيدت إلى المرفق تقيدت به، لكن عند الإطلاق تكون إلى الكف، ويحتمل أن يقال: نرجع إلى القاعدة العامة "أن المنهي عنه يتناول النهي فيه جزأه وكله"، وأن غمس بعض اليد كغمس اليد كلها، وهذا هو الأصح؛ لأن الأصل في النهي عنه أن يعم جميع المنهي عنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم"، وعلى هذا فيكون النهي شاملا لغمس اليد كاملة أو غمس جزء منها.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجب تطهير ما يشك في كونه نجسا لقوله: "فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده"، وهذا مبني على أن التعليل هذا يعني أنه ربما تلوثت يده بنجاسة وهو لا يدري، لكن هذا القول ضعيف، ولذلك لما كان هذا التعليل هو الذي ذهب إليه بعض العلماء