ومنها: تنشيط الإنسان على العمل أو نفوره منه؛ فإن كان في خير فإنه ينشط، وإن كان في غيره فإنه يهرب ولا ينشط، وهذا من باب الترهيب لقوله:"فإن الشيطان يبيت على خيشومه".
ومنها: ثبوت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن علمه بأن الشيطان يبيت على خيشومه لا يدرك بالحس؛ فإنه لو اجتمع أهل الأرض كلهم على أن يطلعوا على هذا ما اطلعوا عليه، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك عن طريق الوحي؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام- لا يعلم الغيب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن ظاهره العموم، أي: عموم الأمر بالاستنثار في كل نوم لقوله: "من نومه"، ولكن العلة تقتضي التخصيص حيث قال:"فإن الشيطان يبيت على خيشومه". فمن العلماء من أخذ بالعموم، وقال: إن تعليل بعض أفراد العام بعلة لا يقتضي التخصيص. ومن العلماء من قال: بل العلة تخصيص العام، وعلى كل حال: الاحتياط أن يستنثر الإنسان ثلاثا حتى في نوم النهار؛ لأن اللفظ يحتمله، وعود العلة على بعض أفراده لا يقتضي التخصيص، كما أن عود الحكم على بعض الأفراد داخل في التخصيص.
ونضرب لهذا مثلا بحديث جابر:"قضى النبي صلى الله عليه وسلم في الشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة". إذا نظرنا إلى أول الحديث:"قضى النبي صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم"، قلنا: إن الشفعة ثابتة لكل شريك باع شريكه نصيبه المشترك سواء كان من الأراضي أو من السيارات أو من المعدات أو غيره لعموم قوله: "في كل ما لم يقسم" حتى في الثياب، وإذا نظرنا إلى قوله:"فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق" قلنا: إن هذا يقتضي أن يكون المراد بالعموم في قوله: "في كل ما لم يقسم": الأراضي فقط؛ لأنها هي التي يقع فيها الحدود ويصرف فيها الطرق، ولهذا اختلف العلماء - رحمهم الله- هل الشفعة واجبة في كل شيء أو في الأرض التي تجب قسمتها أو تجوز حسب الاختلاف المعروف عند العلماء، ومن ذلك قوله تعالى:{والمطلقت يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر}[البقرة: ٢٢٨].
وهذا عام، المطلقات تشمل من لزوجها الرجعة عليها ومن لا رجعة له عليها، لكن قوله:{بعولتهن أحق بردهن في ذلك} يقتضي أن يكون المراد بالمطلقات هنا الرجعية، والعلماء جمهورهم على الأول: أن جميع المطلقات يلزمهن أن يتربصن ثلاثة قروء ولم يلتفتوا إلى تخصيص الحكم في بعض الأفراد ولا شك أن الاحتياط الأخذ بالعموم سواء في هذا أو في هذا، يقول: