سنة وفعله سنة، وإذا كان كذلك وأمكن الجمع بينهما كان ذلك هو الواجب حتى لا نجعل فعله مخالفًا لقوله، فلا يمكن أن نرجع أو أن يصار إلى الخصوصية إلا بدليل، وإذا أمكن الجمع فهو الواجب.
ومن فوائد الحديث أيضًا: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم.
[حكمة مشروعية الصيام]
٦٣٢ - وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزُّور والعمل به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه". رواه البخاريُّ، وأبو داود واللَّفظ له.
هذا الحديث-كما تشاهدون- بدأ بجملة شرطية:"من لم يدع قول الزور"، وهنا توارد على الفعل جازمان "من"، و"لم" كما في قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا}[البقرة: ٢٤]. فورد عليه جازمان، فأيهما يعمل؟ العامل في اللفظ هو الثاني المباشر، والأول عامل في المحل، وعليه ف"يدع" هنا مجزوم بـ"لم".
وقوله:"فليس لله حاجة" الجملة جواب الشرط، واقترنت بالفاء لأنها فعل جامد، ما هو الفعل الجامد؟ ما ليس مشتق، وقوله:"فليس لله حاجة" بالرفع؛ لأنها اسم ليس مؤخر.
وقوله:"في أن يدع" هذه فعل مضارع ماضيها ودعه ومصدرها ودع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمعات".
و"يدع" بمعنى: يترك طعامه وشرابه ... إلخ، قوله:"من لم يدع قول الزور" أي: من لم يترك قول الزور، وقول الزُّور: كل قول مائل عن الحق؛ لأن الزور مأخوذة من الازورار وهو: الانحراف، فالشتم قول زور، والغيبة قول زور، والقذف قول زور، والكذب قول زور، كل شيء مائل عن الحق من الأقوال فهو داخل في قول الزور، وهل يدخل في ذلك شهادة الزور؟ نعم من باب أولى.
ثانيًا:"العمل به" يعني: ومن لم يلع العمل بالزور، والعمل بالزور هو: العمل بكل قول محرّم كما قلنا في قول الزور، مثل: الغش في البيع والشراء، وكالنظر المحرم، كالاستماع إلى الأغاني المحرمة، وما أشبه ذلك، وكمشاهدة المشاهدات المحرمة، كل هذه من العمل بالزور.
وقوله:"الجهل" المراد به: السفه، وليس المراد به: عدم العلم؛ لأن عدم العلم لا يقال: تركه، أو لم يتركه، لكن المراد: السفه، والسفه: هو القول الذي ينسب قائله إلى خلاف الرشد، وإن لم يكن محرمًا كالكلمات النابية عرفا تعتبر من السفه أو من الجهل