أما الرد على من قالوا: إنه أذن لهم في الاستمرار، فنقول: إن هذا الإذن لا يدل على جوازه؛ لأنه أراد التنكيل بهم لا إقرارهم عليه لأجل أن يعرفوا هم بأنفسهم الحكمة من النهي.
وأما الرد على من قال: إنه للإرشاد، فنقول: إن هذا فهمهم، وفهمهم ليس حجة على غيرهم؛ لأن لدينا كلامًا للرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد الحديث أيضًا: أن الصحابة-رضي الله عنهم- لا يدعون شيئًا يحتاج إلى سؤال إلا سألوا عنه، وهذا أحد الطرق الذي كمل به الدين والحمد لله.
الدين كمّل بالقرآن وبالسُّنة القولية والفعلية والإقرارية حتى إذا جاء شيء لم يأت به الكتاب والسُّنة مثلًا قيض الله له من يسأل عنه إما من الصحابة الذين في المدينة، وإما من الأعراب، ولهذا كان الصحابة يفرحون إذا جاء الأعرابي يسأل؛ لأن الأعرابي على فطرته يسأل عن كل شيء، فالحاصل: أن هذا فيه دليل على أن الصحابة-رضي الله عنهم-. لم يدّعوا شيئا يحتاج الناس إليه إلا سألوا عنه، ولهذا لما نهى عن الوصال أوردوا عليه كونه يواصل. غرضي بهذه الفائدة ما يترتب عليها من الأمر العظيم وهو إبطال ما كان عليه أهل الكلام من الإيرادات الباطلة التي يريدون أن يتوصلوا بها إلى تعطيل أسماء الله وصفاته في قولهم: لو كان كذا لزم كذا وما أشبه ذلك من الأشياء التي يقولونها يتوصلون بها إلى إبطال ما وصف الله به نفسه أو سمى به نفسه، فيقال لهم: أين الصحابة عن هذه الإيرادات التي أوردتموها هل لم يفهموها أم ماذا؟ !
ومن فوائد الحديث: إثبات الخصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، وأن الله تعالى قد يخصه بأحكام دون الأمة وهو كذلك، وقد ذكر أهل العلم خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب النكاح- أعني: الفقهاء-؛ لأن له في النكاح خصائص كثيرة فذكروها هناك، وقالوا: إن الرسول خص بأحكام واجبة وهي ليست واجبة على غيره، محظورة عليه وهي ليست محظورة على غيره، مباحة له وهي ليست مباحة لغيره، منها الوصال فهو في حقه ليس بمكروم، وفي حق غيره مكروه.
ومن فوائد الحديث: إن ما ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم فهو ثابت في حق الأمة إلا بدليل، وجهه: أنه لما نهى عن الوصال قالوا: إنك تواصل، وإذا كنت تواصل فلتكن نحن نواصل لأنك أسوتنا، وهذه قاعدة دل عليها آيات كثيرة من القرآن مثل قوله تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران: ٣١]. فهو أسوتنا وقدوتنا وإمامنا، وقال تعالى:{لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنةٌ لمن كان يرجوا الله واليوم الأخر}. [الأحزاب: ٢١]. فإذن الأصل فيما فعل أنه له وللأمة إلا بدليل، والأصل فيما قال: إنه له وللأمة إلا بدليل، وبهذا نرد على قاعدة ذكرها الشوكاني رحمه الله وهي غريبة منه مع إمامته وجلالته- وهي: أن الرسول إذا ذكر قولا عامًا وفعل فعلًا يخالف عمومه حمل الفعل على الخصوصية! وهذا لا شك أنه خطأ؛ لأن قول الرسول