هذا الحديث يعتبر شاهداً للحديث الذي قبله؛ لأن كلا منهما يدل على الوعيد فيمن أتى امرأته في دبرها، وعلى هذا فيكون شاهداً للحديث الأول مقوياً له ولم يذكر عن أحد من الأئمة أنه أجاز وطء المرأة في دبرها، وما يروى عن الشافعي (رحمة الله) في ذلك فقد أنكره أصحابه وكذبوه، وكذلك ما يروى عن مالك فقد أنكره أصحابه وكذبوه، والمروي عنهم محمول على ما إذا أتى الإنسان امرأة في قبلها من دبرها، وما سوى ذلك فإنه لا يصح، وقد ذكرنا فيما سبق من أنه يمكن أخذ تحريم هذا من تحريم الوطء في الحيض لقوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى}[البقرة: ٢٢٢]. والأذى الذي في الدبر أشد وأخبث من الأذى الذي في القبل حال الحيض.
[الوصية بالنساء]
٩٧٣ - وعن أبي هريرة (رضي الله عنه)، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء من الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً». متفق عليه، واللفظ للبخاري.
-ولمسلم:«فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها». «من» هذه شرطية، جوابها «فلا يؤذي جاره»، وقوله «من كان يؤمن بالله» الإيمان في اللغة عند أكثر المعرفين له: التصديق، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية نظر في هذا وقال: إنه لا يصح أن يكون بمعنى التصديق، لأن التصديق لا يساوي الإيمان في التعدي واللزوم، والغالب أن الفعل لا يكون بمعنى الفعل إلا إن ساواه في التعدي واللزوم، ولهذا يقال: صدقته ولا يقال: أمنته، إذن فهما مختلفان، لكن قد أقر به وآمن به، ولأن الإقرار أخص من مطلق التصديق فهاهو أبو طالب مصدق برسالة النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول عن نفسه: [الكامل]
(ولقد علمتم أن دين محمد ... من خير أديان البرية دينا)
ويقول:[الطويل]
(ولقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعني بقول الأباطل)
إذن هو مصدق لكنه غير مقر ولا معترف؛ ولهذا لم يكن مؤمناً، فتبين بهذا أنه لا يصح أن نقول إن الإيمان هو التصديق، بل الإيمان هو الإقرار بالله.