وقوله:«بالله واليوم الآخر»، «بالله» ليست في وجود الله فقط بل هو الإيمان المستلزم للقبول والإذعان، وقوله:«اليوم الآخر» هو يوم القيامة، ووصف بالآخر؛ لأنه لا يوم بعده، وقرن الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله يقتضي العمل رغبة فيما عند الله، والإيمان بالله كذلك يقتضي العمل خوفاً من عقاب الله ورغبة فيما عنده، «اليوم الآخر» فيه الجزاء، والإيمان بالله فيه الحث وبعث الهمة على العمل، فيكون الإنسان لديه أمران: الأمر الأول باعث على العمل، والأمر الثاني مانع من المخالفة، وهو الإيمان باليوم الآخر، ولهذا يقرن الله بينهما كثيراً في القرآن الكريم. قال:«فلا يؤذ جاره» بحذف الياء على أن «لا» ناهية وبإثباتها على أنها نافية، والأذية دون الضرر، فإذا نهى عن الأذية فالضرر من باب ألوى، يعني: يتأذى بأقل القليل حتى بدخان الوقود -وقود النار- وبالأصوات وبغيرها، أي أذية. وقوله:«جاره» الجار هو: من جاورك وقرب منك، وحده بعض العلماء بأربعين داراً من كل جانب، وقال بعض العلماء: يرجع في ذلك إلى العرف، لأن الحديث الوارد في ذلك لا يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، ولو صح لكان فيصلاً ولكنه لم يصح، وعلى هذا فيرجع إلى العرف وهذا أقرب؛ لأننا لو قلنا: إن الجار أربعون داراً في كل جانب ولاسيما في وقتنا هذا الذي تجد فيه البيوت واسعة جداً لكان نصف البلد حاراً للإنسان أو أكثر لكن العبرة بالعرف. «واستوصوا بالنساء» يعني: اقبلوا الوصية بهن، يقال: وصيته فاستوصى أي: قبل، وقوله:«خيراً» يعني: اقبلوا بعن وصية الخير، والذي أوصانا بها الرسول (صلى الله عليه وسلم)، «فإنهن» هذه الجملة تعليل للحكم وهو الأمر بالاستيصاء، قال:«فإنهن خلقن من ضلع»، ويجوز من ضلع والفتح أشهر، فما هو الضلع؟ الضلع هو ضلع آدم، فإن آدم -عليه الصلاة والسلام- لما أراد الله أن يجعل له زوجة نام نومة فخلقها الله من ضلعه الأصغر هكذا جاء في الآثار والله أعلم، لكن الثابت أنها خلقت من ضلع، قال:«وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه»؛ ولهذا المرأة ما تتحمل وضعفها الاعوجاج، قال:«فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركت الضلع لم يزل أعوج». إذن لا يمكن الانتفاع به إلا إذا كان أعوج، ثم كرر قبول الوصية في قوله:«فاستوصوا بالنساء خيراً». ولمسلم:«فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج» وهذا معنى قوله: «وإن تركته لم يزل