للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجاسة ظن قال: أحتاط وأغسله فرشش الماء، وظل هكذا حتى يغسل الثوب كله من أجل هذا؛ لأنه شدد على نفسه، فإذا شدد على نفسه شدد الله عليه، وهكذا أيضاً في طريق الموسوسين أشياء غريبة لكن لو أن الإنسان قطع هذا الأمر وأخذ بالأيسر سهل الله عليه، فهذا الحديث أصل في أن الإنسان لا ينبغي أن يشدد على نفسه ولا يسأل عن فعل غيره ما دام الفعل قد وقع من أهله فهو سليم صحيح.

[النهي عن الحذف]

١٢٨٦ - وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وقال: إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدوا، ولكنها تكسر السن، وتفقأ العين» متفق عليه، واللفظ لمسلم.

«نهى»، النهي معناه: طلب الكف عن العمل على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة وهي المضارع المقرون ب «لا» الناهية، فقولنا: «طلب الكف» خرج به الأمر، لأن الأمر طلب الفعل، وقولنا: «على وجه الاستعلاء» خرج به الالتماس والدعاء، وقولنا: «بصيغة مخصوصة» خرج بذلك ما كان بمعنى النهي من ألفاظ الأمر مثل دع واترك واجتنب، هذا بمعنى النهي، ولكنه ليس نهيا بل هو أمر.

وقوله: «نهى عن الخذف» «الخذف» هو الرمي بحجر صغير يوضع بين السبابة والوسطى ثم هكذا يدفع، ويطلق أيضا على المقلاع، وهو عبارة عن حبل ممدود تمسك طرفاه بواسطة شيء مثل القبة توضع فيه الحجر ثم يديره الإنسان بقوة ويطلق أحد الطرفين فتنطلق الحصاة بسرعة، هذا أيضا من الخذف فقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك ما سنذكره في الفوائد، وعلل النهي بقوله: «إنها لا تصيد صيداً» وهذا هو الشاهد من الحديث، يعني: لو أصابت الصيد فقتلته فإنه لا يحل؛ لأنها إنما تقتله بالثقل، «ولا تنكأ عدوا» أي: لا تدفع العدو، فإن العدو لا يرمي بمثل هذا، إذ إن هذا لا يفيد شيئاً «ولكنها تكسر السن» إذا أصابته «وتفقأ العين» إذا أصابتها، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذه لا خير فيها، وأنها تجلب سوءا، وإذا كان كذلك فإن أحد الأمرين موجب للنهي عنها وهي أنها لا تنكأ عدوا ولا تصيد صيداً فتكون لغوا لا فائدة منها، وإذا كانت تفقأ العين وتكسر السن صار فيها مضرة.

ففي هذا الحديث فوائد: أولاً: النهي عن الحذف، وهل هو للتحريم أو للكراهة؟ الأظهر أنه للكراهة ما لم يتحقق الضرر الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهي أنها تفقأ العين وتكسر السن، وذلك بأن

<<  <  ج: ص:  >  >>