يعني: لا وضوء على من نام قاعدا، أو قائما، أو راكعا، إنما على من نام مضطجعا، يعني: على جنبه، أو ظهره، أو بطنه؛ وذلك لأن النائم على وجه الاضطجاع أقرب إلى أن يكون نومه عميقا يحدث ولا يشعر بنفسه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم - إن صح الحديث- ذكر هيئة يكون بها الحديث أقرب، والقاعدة كما مر علينا أنه إذا نام نوما لم أحدث لم يحس بنفسه فعليه الوضوء وإلا فلا وضوء عليه.
[التحذير من الوسواس في الوضوء]
٧٦ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يأتي أحدكم الشيطان في صلاته، فينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث ولم يحدث، فإذا وجد ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا". أخرجه البزار. وأصله في الصحيحين من حديث عبد الله بن زيد.
في هذا الحديث: أن الشيطان قد يسلط على بني آدم في الصلاة ليفسد صلاته عليه؛ لقوله:"ينفخ في مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث".
ومن فوائده: إثبات الشيطان لقوله: "يأتي أحدكم الشيطان".
ومن فوائده: بيان شدة عداوة الشيطان لبني آدم؛ حيث يريد أن يفسد عليه عبادته.
ومن فوائد هذا الحديث: التحذير من الوساوس لقوله: "فيخيل إليه أنه أحدث"، وطرد هذه التخيلات أن يستعذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأنه إذا استعاذ بالله من الشيطان الرجيم فإن الله - سبحانه وتعالى- يعيذه إذا كان ذلك بصدق وإخلاص.
ومن فوائد هذا الحديث: أن اليقين لا يزول بالشك؛ لقوله:"فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا".
ومن فوائد هذا الحديث: أن النصوص قد تأتي مقيدة للشيء بناء على الغالب؛ لقوله:"حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"؛ لأنه من المعلوم لو كان الرجل أصم لا يسمع أو كان لا يشم فإنه لن يجد ريحا ولن يسمع صوتا، فهل نقول: إن هذا الرجل لو خرج منه الريح يقينا فوضوؤه باق؟ لا، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رتب على هذا في الغالب، وقد ذكر الأصوليون أن القيد الأغلبي ليس له مفهوم.