بقدر عين الجرادة في ماء يبلغ مثلا قربة كاملة فهذا لا يغير على مقتضى هذا الحديث إذا أخذنا بعموم المفهوم يكون نجسا ولكنه لا يكون نجسا، ولو سقطت نجاسة كبيرة فيما دون ذلك لكان تغير الماء بها قويا.
فأنت أيها المسلم احتط لنفسك الذي يغلب على ظنك أن النجاسة تكثر فيه؛ لا تستعمله إلا لحاجة، وأما الذي يغلب على ظنك أن النجاسة لا تؤثر فيه أو تأكدت أنها لم تؤثر فيه؛ فلا يهمك أن يكون قليلا أو كثيرا، هذا هو الذي تدل عليه الأدلة والقواعد العامة في الشريعة، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
[حكم اغتسال الجنب في الماء الدائم]
٥ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب". أخرجه مسلم.
"لا يغتسل""لا" ناهية، والدليل على أنها ناهية جزم الفعل بها؛ لأن "لا" الناهية تعمل الجزم فيما تدخل عليه من الأفعال، وهي لا تدخل إلا على المضارع، فهي من علامات المضارع، وكذلك "لم" لا تدخل إلا على المضارع، فإذا وجدت كلمة دخلت عليها "لم" فهي للمضارع.
"أحدكم في الماء الدائم" أحدكم هذا خطاب للرجال، واعلم أن أكثر خطابات القرآن والسنة موجهة للرجال؛ لأن الرجال هم رعاة العلم، وهم رعاة الأمة، فلهذا تجد أكثر الخطابات في القرآن والسنة موجهة إلى الرجال.
وقوله:"في الماء الدائم"، الدائم سيأتي في الحديث الذي بعده أنه الذي لا يجري؛ لأنه ساكن لا يتحرك فهو دائم.
وقوله:"وهو جنب" الجملة هذه حال؛ يعني: في موضع نصب على الحال من "أحدكم"؛ أي: من فاعل يغتسل يعني والحال أنه جنب لماذا؟ لأن الجنب وإن كان طاهر البدن لكن قد يكون هناك إفرازات خفيفة بسبب الجنابة لا ندري ما هي فتؤثر في الماء توسخه وتقذره؛ فلهذا نهي أن يغتسل في الماء الدائم وهو جنب.
في هذا الحديث فوائد كثيرة؛ منها: رعاية الشريعة للصحة؛ لأن كون الإنسان يغتسل وهو جنب في ماء راكد لا يدخل عليه شيء ولا يخرج منه شيء لا شك أنه سيلوثه وسيكون علة له ولغيره.
ومنها: شمول الشريعة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم فهي شاملة لمصالح الناس في المعاد والمعاش خلافا لمن قال: إن الشريعة هي تنظيم العبادة فيما بين الإنسان وبين ربه، والباقي موكول إلى الناس، وهذا يخشى أن يكون من باب الكفر ببعض الشريعة والإيمان ببعضها.