الطعام بينكما؛ يكون بينهما مناصفة، فإذا لم يتبين القسط فإنه يجعل على المناصفة، إذا كانت تسع قربتين وشيئا وجعلنا الشيء بمعنى النصف"، كم تكون القلتان؟ خمس قرب متوسطة. "لم يحمل الخبث". وفي لفظ: "لم ينجس". "لم يحمل الخبث" يعني: لم يتبين فيه أثره، هذا المراد بقوله: "لم يحمل الخبث"، ويفسره اللفظ الثاني: "لم بنجس" يعني: إذا بلغ هذا المقدار فإنه وإن سقطت نجاسته لم ينجس؛ لأنه بلغ حدا كبيرا لا تؤثر به النجاسة.
وهذا الحديث اختلف العلماء في متنه وفي سنده، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن كلاما طويلا حول هذا الحديث، وفيه فوائد عظيمة حديثية لا تجدها في غيره، فمن أراد أن يراجعه ففيه فائدة كبيرة، وذكر تضعيف هذا الحديث من ستة عشر وجها، وكما تعرفون ابن القيم رحمه الله إذا تكلم في مسألة نفسه طويل، فهذا الحديث ضعيف وإن صححه من صححه من الأئمة لكن الكلام على الواقع.
فلننظر الآن: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث" يعني: لم ينجس فهل هذا على عمومه؟ لا شك أنه ليس على عمومه بالإجماع، لأننا لو أخذنا بعمومه لكان ظاهره أنه لا ينجس سواء تغير أم لم يتغير وهذا خلاف الإجماع، فإن العلماء مجمعون على أن الماء إذا تغير بالنجاسة فهو نجس، وعلى هذا فلا يصح الأخذ بعمومه، ف "لم ينجس" لنا مفهومه وهو أنه إذا لم يبلغ قلتين صار نجسا، وظاهره - ظاهر المفهوم- أنه سواء تغير أم لم يتغير، وحينئذ يكون مخالفا لحديث أبي أمامة السابق الدال على أنه لا ينجس الماء إلا بالتغير، ودلالة حديث أبي أمامة على أن الماء لا ينجس إلا بالتغير دلالة منطوق، ودلالة حديث ابن عمر هذا دلالة مفهوم، والعلماء يقولون: إذا تعارضت الدلالتان المنطوقية والمفهومية؛ فإنه يقدم على أن المفهوم يكتفى بالعمل به في صورة واحدة إذا صدق المفهوم في صورة واحدة كفى، فمثلا نقول: مفهومه إذا لم يبلغ قلتين لم يحمل الخبث؛ أي: إذا بلغ قلتين صار نجسا. فنقول: هذا يعم ما تغير وما لم يتغير، ويكفي أن نقول: إنه محمول على المتغير، وحينئذ نكون قد عملنا بالمفهوم، والمفهوم كما قال أهل الأصول يكفي في العمل به صورة واحدة.
على كل حال: ما دام الحديث ضعيفا وعندنا حديث سابق أثري ويؤيده الدليل النظري؛ فإنه لا يعمل به، ويقال: إنه إذا بلغ قلتين وحدثت فيه نجاسية، فإن غيرته فهو نجس مطلقا، وإن لم تغيره فهو طهور إذا لم يبغ قلتين، فالحكم كذلك إذا حدثت فيه نجاسة إن غيرته فهو نجس، وإن لم تغيره فهو طهور، ولكن لا شك أنه كلما قل الماء وكبرت النجاسة كان تغير الماء بها أقرب، وحينئذ لابد أن تسلك سبيل الاحتياط؛ لأننا لا شك أنه لو نزل نقطة صغيرة