الرجل الذي أهدى لكم ورك أرنب أنه يحتقرك لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لو أهدي إلي كراع أو ذراع لقبلت ولو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت"؛ لأنه صلى الله عليه وسلم غاية المتواضعين.
ومن فوائد الحديث: جواز الإهداء إلى الفقراء, ولا يقال: يخشى أن يكون المهدي ممن من ليستكثر, والله تعالى قال لرسوله: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: ٦]. يعني: لا تمن على أحد ليعطيك أكثر مما مننت به, لكن الإنسان هو ونيته وإذا أهديت إلى الأكابر كالملوك والرؤساء والوزراء والأمراء والعلماء حتى وإن ظننت أنهم سيردون هديتك بأكثر ما دمت لست مستشرفًا فلا بأس بذلك.
ومن فوائد الحديث: ما ساق المؤلف الحديث من أجله وهو الأرنب, أرأيتم لو لم يأت نص بحلها فما هو حكمها؟ حلال على الأصل.
[حكم النملة والنحلة والهدهد والصرد]
١٢٧٣ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل أربع من الدواب: النملة, والنحلة, والهدهد, والصرد. رواه أحمد, وأبو داود, وصححه ابن حبان. "نهى عن قتل أربع". والنهي عن قتل أربع لا يعني أن النهي مقصور عليها, بل قد يكون هناك أشياء منهي عنها كما يوجد هذا في كثير من السنة مثل: "سبعة يظلهم الله في ظله", وقد وردت أحاديث صحيحة أن الله يظل غيرهم, "ثلاثة لا يكلمهم الله", وقد ورد غيرهم.
فالحاصل: أن مثل هذا الحصر يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم لمناسبة المقام, ولا يعني ذلك أن الحصر ينفي ما سواه؛ ولهذا قال الأصوليون: إن أضعف المفاهيم مفهوم العدد, حتى إن بعضهم قال: إنه لا مفهوم للعدد إطلاقًا, فإذا قال مثلاً: "ثلاث من كن فيه كان منافقًا خالصًا" لا نقول: إن هذا حصر, قد يكون هناك أشياء أخرى من النفاق إلا إذا وجد قرينة تدل على الحصر فإن العدد يكون دالاً على الحصر, مثاله: حديث البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل ماذا يتقى من الضحايا؟ قال: "أربع وأشار بأصابعه", فهذا يدل على الحصر؛ لأن السؤال يقتضي ذلك, والجواب مركب على السؤال, أما إذا جاء عدد بدون قرينة تدل على الحصر فإنه لا يستلزم الحصر. إذن نهى عن قتل أربع من الدواب, وهل النهي هنا للكراهية أو التحريم؟ الأصل للتحريم, وقال بعض العلماء: إنه للكراهية, لكن ما جوابنا يوم القيامة إذا قتلنا هذه الأربع من الدواب,