للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذلك؟ نقول: ينهى عن هذا نهي تحريم, وما هو النهي؟ النهي في تعريفه عند البلاغيين والأصوليين هو طالب الكف على وجه الاستعلاء أي: أن الطالب يشعر بأنه عال على المطلوب لأنه لو نهى وهو يعتقد أنه دون المطلوب لكان هذا من باب الدعاء, ولو نهى وهو يعتقد أنه مثله لكان هذا من باب الالتماس, لكن لابد أن يشعر الناهي بأنه أعلى حتى يتوجه الأمر بالكف. يقول: "نهى عن قتل أربع من الدواب": "النملة" معروفة, وظاهر الحديث أنه يشمل الصغار منها والكبار, فالذر من النمل, ما هو أكبر هو أيضًا من النمل, نهى عن قتله احترامًا لها أو استقباحًا لها؟ الأول, احترامًا لها, وذلك جزاء لما قامت به حين مر سليمان بقرية النمل: {قالت نملة يأيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهو لا يشعرون} [النمل: ١٨]. تضمنت هذه الجملة إرشادًا وتوجيهًا وتعليلاً للحكم واعتذارًا مما يقع وهي نملة كلام بليغ أولاً: {يأيها النمل} دعتهم بنداء حتى ينتبهوا لما تقول, {ادخلوا مساكنكم} هذا إرشاد وتوجيه أن يدخلوا الملاجئ؛ لأن الناس عندما تقوم الحرب لابد أن يدخلوا الملاجئ إذا لم يكن عندهم ما يقاوموا به, العلة: {لا يحطمنكم سليمان وجنوده} , معلوم إذا مرت الخيول والإبل على النمل ستحطمهم, ثم قالت: {لا يحطمنكم} ولم تقل: لا يطأنكم, ليكون هذا أبلغ في التنفير, {وهم لا يشعرون} هذا اعتذار, هذه النملة صارت بركة على النمل, أكرم النمل من أجلها, فنهى عن قتلها, فلا تقتل النملة لا في حرم ولا في حل ولا في إحرام ولا في إحلال.

الثاني: "النحلة" نهى عن قتلها؛ لأن قتلها إضاعة مال وحرمان خير كثير, غذ أن النحلة يكون منها العسل الذي فيه شفاء للناس, فإذا قتلت واحدة ثم الثانية ثم الثالثة وهكذا فإن ذلك سبب لضياع ما ينتج منها من هذا العسل المبارك.

"الهدهد" معروف, هذا الهدهد نهى عن قتله احترامًا له؛ وذلك لقصته مع سليمان فإن سليمان حشر له جنوده من الجن والإنس والطير لأنه -علية الصلاة والسلام- كان ملكًا, وكان منظمًا لملكه, تفقد الطير ففقد الهدهد, ومع ذلك لم يحكم عليه بأنه غائب قال: {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} [النمل: ٢٠] يعني: بل أكان من الغائبين, وهذا واقع, أنت إذا تفقدت جنودك أو أولادك ولم تقع عينك على أحد منهم لا تحكم بأنه غائب ربما أن بصرك صرف عنه, ثم توعده قال: {لعذبنه عذابًا شديدًا أو لأذبحنه} [النمل: ٢١]. إعدام بالكلية, {أو ليأتيني بسلطان مبين} [النمل: ٢١]. يعني: إما عذاب, وهذا العذاب حد أو تعزير؟ تعزير, {أو لأذبحنه} إعدام, {أو ليأتيني بسلطان مبين} , يعني: بحجة قوية تكون عذرًا له؛ {فمكث غير بعيد} [النمل: ٢٢]. فقال الهدهد حين جاء بخبر لا يحيط به سليمان قال

<<  <  ج: ص:  >  >>