للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر" أي: غزونا نفس المكان الذي هو خيبر وخيبر، يظهر لي- والله أعلم- أنه سمي بهذا الاسم؛ لأنه أرض زراعية، والمخابرة بمعنى: المزارعة وهو عبارة عن مزارع وحصون وقلاع تقع في الشمال الغربي من المدينة نحو مائة ميل وفتحها النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في السنة السابعة من الهجرة.

يقول: "فأصبنا فيها غنمًا، فقسم فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم"، يحتمل أن يكون هذا القسم لدفع الحاجة فأعطاهم من هذه الغنم ما يدفع حاجتهم، وجعل الباقي مع الغنيمة تبعًا لها ويحتمل أن يقال: إن تقسيم الغنائم راجع إلى رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن شاء قسم الغنيمة كلها إلى خمسة أسهم ثمَّ أحد الأسهم إلى خمسة أسهم أيضًا، وإن شاء نفل ما ينفل وكلاهما صحيح، بمعنى: أن الجيش إذا احتاج إلى طعام فللقائد أن يعطيه من الطعام من غير قسم أو من اللحم من غير قسم ويحتمل أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى حاجتهم إلى ذلك فأعطاهم.

ففي هذا الحديث فوائد: منها: مشروعية غزو اليهود؛ لأن خيبر كان يسكنها اليهود.

ومنها: أن من الحكمة أن نبدأ بمن حولنا من الكفار دون من وراءهم وإلى هذا يشير قوله تعالى: {يا أيُّها الَّذين ءامنوا قاتلوا الَّذين يلونكم من الكفَّار وليجدوا فيكم غلظةً} [التوبة: ١٢٣]. ووجه ذلك أننا لو ذهبنا نقاتل الأبعد هنا نخاف من الأقرب الَّذي يأتينا من ورائنا فالحكمة أن نأخذ البلاد من أطرافها مما يلينا؛ لأن ذلك أسلم.

ومنها: أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قاسم بأمر الله ولهذا قال: "إنما أنا قاسم والله هو المعطي" فالله هو المعطي والمدبر والنَّبيّ صلى الله عليه وسلم قاسم لا يقسم إلا ما أمر به.

[لا يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم الرسل ولا ينقض العهد]

١٢٥٤ - وعن أبي رافعٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس الرُّسل". رواه أبو داود، والنَّسائيُّ، وصحَّحه ابن حبَّان.

قوله: "إني لا أخيس" هذه الجملة مؤكة بمؤكد واحد وهي"إن"، وأما "لا أخيس" فهي نافية وليست للتوكيد ومعنى: "أخيس به" أنقضه، و"لا أحبس الرسل" يعني: الرسل الذين يأتون من الأعداء للمفاوضة؛ لأن حبس هؤلاء الرسل خيانة وفيه تفويت لمصلحة عظيمة؛ لأنه قد يكون الخير في التفاوض، فلو أن الرسل قتلت ما حصل تفاوض ولا صلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>