للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[١ - باب الجزية والهدنة]

الجزية: ما يوضع على الذمي من ضريبة عوضًا عن حمايته وإقامته في دارنا وبهذا نعرف أن الجزية لا تكون إلا في الذميين، ولا تكون إلا على من كان في أرضنا وأن مقتضاها حماية هؤلاء الذين يبذلون الجزية وإعطاؤهم الحقوق على حسب ما ذكره أهل العلم وجاءت به السنة.

وأما الهدنة: فهي وضع الحرب بيننا وبين العدو، وهي تشبه المصالحة من حيث إننا نضرب مدة معينة لوضع الحرب بييننا، ولكنها لا تكون إلا إذّا دعت الحاجة إليها؛ لأن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس"، وكونه يؤمر بقتال الناس يعني: أنه لا هدنة، لكن قد تدع الحاجة إلى الهدنة إما لضعف المسلمين ضعفًا عامًا، وإما لضعفهم ضعفًا خاصًا أمام هذا العدو المعين، فالضعف العام: كحال المسلمين اليوم فلا يمكن أن يتفقوا-وهم على هذه الحال- على حرب قرية ولو صغيرة؛ لأنهم هم بأنفسهم متنازعون، ومن كان الداء في بطنه فكيف يداوي غيره؟ ! لكننا نرجو الله- سبحانه وتعالى- أن يكون مستقبل الأمة الإسلامية خيرًا من حاضرها، والله على كل شيء قدير، قد تكون الأمة الإسلامية مجتمعة ولكن عدوها قوي فتحتاج إلى هدنة لتتقوى ثمَّ بعد ذلك يفعل الله ما يشاء.

والهدنة اختلف العلماء-رحمهم الله- هل تجوز لمدة عشر سنين فأقل أو لمدة خمس سنين فأكثر، المهم أن تحدد بحدَّ، أو يجوز أن تكون مطلقة؟ فالمشهور من مذهب الحنابلة أنها تجوز في حدود عشر سنوات قالوا: لأن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس"، ثمَّ صالح قريشًا على عشر سنوات فتكون هذه المصالحة مخصصة للحديث السابق وإذّا كانت مخصصة فإنه لا يجوز أن يتعدى المستدل ما جاء في التخصيص، لأنه قال: الأصل المقاتلة خرجنا على الأصل بعشر سنوات فأقل لوجود النص فلا نتعداه وهذا لا شك أنه وجه قوي، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: تجوز المهادنة مطلقًا أي: بدون قيد السنوات لا قليلة ولا كثيرة ما دمنا على ضعف فإذا قوينا فإننا نقاتلهم وإذا قالوا: إن بيننا وبينكم عهدًا نقول: إن هذا العهد مطلق ولم يؤبد ونحن هادناكم هدنة مطلقة فعلى هذا القول يجب على المسلمين إذا أوتوا قوة أن يقاتلوا فإذا قالوا: في الهدنة، قلنا: الهدنة ليست عامة بل هي مطلقة والمطلقة تصدق بأي شيء وهذا الَّذي اختاره شيخ الإسلام هو الصحيح؛ لأن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا؛ إذ إن سبب المهادنة هو ضعف المسلمين فمتى وجد هذا الضعف فالهدنة قائمة ومتى زال هذا الضعف فالهدنة لا غية ثمَّ ساق المؤلف رحمه الله الأحاديث في ذلك فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>